كيف تناول الإعلام الفلسطيني أحداث جنين؟

كيف تناول الإعلام الفلسطيني أحداث جنين؟

مقدمة

شهدت مدينة جنين ومخيمها في الضفة الغربية مواجهات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وفصائل المقاومة في المخيم وعلى رأسها كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حيث بدأت أحداث جنين باعتقال أجهزة السلطة إبراهيم طوباسي وعماد أبو الهيجا في أوائل الشهر الجاري، ما أثار غضب كتيبة جنين التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عنهما. وقد تتطورت الأحداث  في 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، عندما اقتحمت قوات من الأجهزة الأمنية  المخيم، مما أدى إلى مقتل القيادي في كتيبة جنين يزيد جعايصة، واعتقال عدد من النشطاء.

تزامن مع العملية حراك شعبي وإعلامي موازن للاشتباكات على الأرض، حيث تعددت توجهات المعالجة الإعلامية وفقا للأطراف المختلفة، فضلا عن الشارع الفلسطيني الذي تفاعل مع الأحداث.

 يسعى هذا التقرير التحليلي إلى قراءة المشهد الإعلامي لهذه الأحداث والإجابة عن السؤال: كيف تناولت وسائل الإعلام ومختلف الجهات أحداث جنين إعلاميا؟

 

رواية الإعلام الرسمي

أعلنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أن العملية في جنين تأتي ضمن جهودها لـ”حفظ الأمن والسلم الأهلي وبسط سيادة القانون”، مشيرة إلى أنها تستهدف “الخارجين على القانون” الذين يهددون الاستقرار المجتمعي وفق تعبيرها.

من جهته تبنى الإعلام الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية رواية السلطة الفلسطينية، الداعمة للعملية والتي ترتكز على أنها تهدف لاستعادة الأمن وفرض النظام، فضلا عن تصويرها أنها جزء من استراتيجية وطنية لحفظ السلم الأهلي، كما ركز الخطاب الإعلامي  على المخاطر التي يشكلها من أسماهم الخارجون عن القانون.

كما استخدامت وسائل الإعلام الرسمية مصطلحات  مثل: استعادة الأمن ومحاربة الفوضى، مع تجنبها الدخول في سجا

Picture1 كيف تناول الإعلام الفلسطيني أحداث جنين؟

ل أو توجه نحو طرف ما من الفصائل الفلسطينية و أذرعها العسكرية، في محاولة منها احتواء المشهد إعلاميا لمحاولة تخفيف الاحتقان الشعبي الذي يته

مها باستهداف المقاوميين. وامتازت تغطية الإعلام الرسمي للسلطة بإبراز مشاهد الأجهزة الأمنية وهي تنفذ القانون.

كما أن خطاب الإعلام الرسمي المتمثل في تلفزيون فلسطين اتجه إلى تصوير الشبان في جنين على أنهم دواعش، وقد وظف صورهم باللباس الأبيض لخدمة هذه الرواية، فيما أن الرسالة الصوتية التي ترافقت مع مشهد اللباس الأبيض من كتابة جنين كانت تتضمن: “إن إردتم دخول المخيم، فأننا مستعدون لتفجير أنفسنا”.

استثمر الإعلام الرسمي مقتل العناصر الأمنية في تأليب الرأي العام باستخدام المساجد لنعييهم في مشهد غاب عنه 45 ألف شهيد في غزة ومئات الشهداء في الضفة منذ بدء الحرب على غزة، ما يعكس تبني السلطة خطة إعلامية مدروسة لحشد الرأي العام نحو روايتها.

 

إعلام الفصائل والأحزاب الفلسطينية

برزت عدة مواقف للفصائل الفلسطينية كان أبرزها لحركة الجهاد الإسلامي التي  أدانت مقتل جعايصة واعتبرته استهدافًا متعمدًا للمقاومين، ودعت الفصائل والقوى الفلسطينية إلى اتخاذ موقف حاسم ضد ما وصفته بـتجاوزات الأجهزة الأمنية الفلسطينية.  من جهتها  طالبت حركة حماس السلطة الفلسطينية بوقف ما وصفته بـالاعتداءات المشينة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، مؤكدة على ضرورة توجيه الجهود نحو الوحدة ومقاومة الاحتلال.

كما تبنى الإعلام التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي توجها أدان بشدة العملية التي اعتبرها ضد المقاومة، كما استخدمت لغة اتهامية للسلطة بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي واستهداف مشروع المقاومة والمقاومين.

ركزت التغطية الإعلامية للإعلام الفصائلي على تسليط الضوء على القتلى والمصابين من المدنيين والمقاومين، كما استخدمت مصطلحات وصفت الأجهزة الأمنية بـالأدوات القمعية.

خطاب كتيبة جنين

 وجهت كتيبة جنين  رسالة لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، دعت فيها المنتسبين لهذه الأجهزة “للعودة إلى رشدهم” محذرة من “اختبار صبرها” على ما يجري بالمخيم من اشتباكات. وقالت كتيبة جنين: “رسالتنا للعساكر في السلطة عودوا إلى رشدكم فقد حذرناكم ولا تختبروا صبرنا”، مشيرة إلى أن تصريحات الناطق باسم أجهزة أمن السلطة ضد المقاومين “منسجمة” مع الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي. وأكدت أن لديها معلومات تفيد باحتجاز أجهزة السلطة 237 من عسكرييها بسبب رفضهم المشاركة في العملية بجنين.

وأضافت أن أجهزة الأمن الفلسطينية قتلت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 14 مواطنا خارج إطار القانون “من دون حسيب ولا رقيب”. وتشدد كتيبة جنين على أن الهدف من هذه الحملة الأمنية هو ملاحقة المقاومين ونزع سلاحهم، في حين أعلنت أجهزة أمن السلطة أنها تلاحق من وصفتهم بـ”الخارجين عن القانون”، لنزع سلاحهم وبسط السيطرة على المخيم.

المقاومون ينظرون إلى الخطوة التي اتخذتها السلطة في جنين باعتبارها امتداداً لمخططات الاحتلال الرامية إلى إجهاض مشروع المقاومة الفلسطينية. في رأيهم، هذه العمليات الأمنية ليست سوى أداة لنزع الشرعية عن المقاومة، سواء المسلحة أو الشعبية، وتعزيز الانقسام الداخلي بما يخدم أجندات الاحتلال. كما يرون أن الإجراءات التي تتخذها السلطة، مثل الحصار والاعتقالات السياسية وتكميم الأفواه، تهدف إلى تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة داخل المخيمات، مما يزيد من عزلهم سياسياً وميدانياً. إضافة إلى ذلك، يرفض المقاومون بشكل قاطع الخطاب الرسمي للسلطة الذي يدعي أن وجودهم يقدم ذرائع للاحتلال لشن عمليات عسكرية، معتبرين أن الاحتلال، بطبيعته العدوانية، لا يحتاج إلى ذرائع لتنفيذ جرائمه. وبالرغم من الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة، يتمسك المقاومون بخيارهم، معتمدين على دعم شعبي يرونه ضرورياً لحماية المشروع الوطني من الاحتلال ومن أي محاولات لتصفيته. بالنسبة لهم، هذه الخطوة ليست مجرد خطأ سياسي، بل هي تهديد خطير للمقاومة الفلسطينية ككل، خاصة إذا كانت تهدف إلى تصفية العمل المقاوم لصالح ضغوط إقليمية ودولية.

مواقف اليسار

موقف اليسار الفلسطيني من أحداث جنين لم يكن موحداً، حيث انقسم بين رفض صريح ودعوات للحوار، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبّرت عن إدانة شديدة للعملية الأمنية، ووصفتها بأنها تجاوز خطير للخطوط الحمراء وتهديد بإشعال فتيل حرب أهلية بين أبناء الشعب الواحد، معتبرة أن هذه الإجراءات تخدم أجندات الاحتلال الإسرائيلي وتسهم في تقويض الوحدة الوطنية. في المقابل، كان موقف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أكثر حياداً، حيث دعت إلى حوار وطني شامل يجمع مختلف الأطراف الفلسطينية للخروج بحلول سياسية توقف التصعيد وتحمي السلم الأهلي، فضلا عن تنظيمها مسيرة في مدينة جنين.

من جانبها، دعت حركة المبادرة الفلسطينية في بيانها إلى الوحدة الوطنية ورفض الاقتتال الداخلي، مؤكدة أن الصراع الفلسطيني الداخلي لا يخدم سوى مصلحة الاحتلال. وشددت على ضرورة توحيد الجهود الوطنية لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني.

تعكس مواقف قوى اليسار تباينا في خطابها من الرفض الواضح لسلوك السلطة إلى أخذ الحياد حول التعامل مع سياسات السلطة وأحداث جنين، بالرغم أن المواقف تتفق على التعبير عن قلق عام إزاء تداعيات هذه الخطوات على النسيج الوطني ومستقبل المشروع التحرري.

من جهته، عبّر حزب التحرير في بيانه رفضه القاطع لما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين، مشبّهاً ذلك بممارسات الاحتلال في شمال غزة من حصار وتجويع. وأكد الحزب أن رسائل المقاومين للسلطة كانت واضحة، مفادها أن سلاح المقاومة موجه حصراً ضد الاحتلال ولا يمكن أن يُستخدم ضد أي فلسطيني. واتهم الحزب السلطة بالمشاركة في مخطط تهجير أهل الضفة الغربية، بما يخدم مشاريع الاحتلال الإسرائيلي.

 

وسائل الإعلام والشخصيات الأخرى

تبنت وسائل الإعلام الأخرى ذات الطابع المستقل توجها يمسك العصى من المنتصف  في تغطيتها للأحداث بين رواية السلطة والمقاومين، حيث حاولت عرض مختلف وجهات النظر وغلب على لغتها اللهجة التحذيرية، والتركّز على مخاطر الانقسامات الداخلية وآثارها على القضية الفلسطينية.

تناولت وسائل الإعلام ذات الطابع المستقل أحداث جنين بتوازن وحذر، محافظاً على مسافة من الانحياز الصريح لأي طرف. أظهرت هذه الوسائل قدراً من الحيادية في تغطية الأحداث، حيث حرصت على استخدام مصطلحات مثل “المقاومة” و”المقاومين” بدلاً من تبني وصف “خارجين عن القانون” الذي يروّجه الإعلام الرسمي. ورغم تجنّب الغوص في التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالانتهاكات، مثل قطع الكهرباء أو الاعتداءات، إلا أنها لم تتجاهل السياق الإنساني والوطني للقضية. هذا التوجه يعكس رغبة الإعلام المستقل في تقديم رواية متوازنة تُظهر تعقيد الموقف دون الاصطفاف الكامل مع أي جهة، مع التمسك بالخطاب الوطني الذي يعكس نبض الشارع.

لم تكن وسائل الإعلام ذات الطابع المستقل على ذات السياق في التعاطي مع الموضوع، إذ إن بعضها أظهرت انحيازا في حجم التغطية لصالح السلطة وروايتها وغلبت بصورة غير واضحة الانحياز، وحملت رسائل ضمنية داعمة للرواية الرسمية.

كما أبدت شخصيات فلسطينية مستقلة مواقف متنوعة، تعكس قلقها من التصعيد الداخلي وحرصها على الوحدة الوطنية حيث أعرب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك عن قلقه إزاء ما يجري في جنين، مؤكدًا أن الوضع يقلق جميع الفلسطينيين. دعا إلى نزع فتيل الأزمة وفتح حوار وطني يضمن إنهاء التوترات ومنع تكرارها في جنين أو مناطق أخرى.

من جهته  أدان رئيس تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة خليل عساف مقتل شاب برصاص الأمن في جنين، مشددًا على ضرورة ضبط النفس وتجنب استخدام القوة المفرطة. ودعا إلى تحقيق شفاف في الحادثة ومحاسبة المسؤولين، مؤكدًا أهمية الحفاظ على السلم الأهلي.  كما دعا عساف إلى وقف ما وصفه بـ”العار” وضرورة حقن الدم الفلسطيني، منتقداً النهج التصعيدي للأجهزة الأمنية.

وصف حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، أن “ما يجري في مخيم جنين بالأمر المقلق والمثير للاشمئزاز، وهو مرفوض وطنيا وشعبيا،وبين أن “من يريد حماية وحرية الوطن عليه أن يذهب ويواجه الاحتلال والمستوطنين، فحرية الوطن لا تكمن إلا بزوال الاحتلال”. وكشف أن هدف أجهزة السلطة من الحملة الأمنية:”تقديم أوراق اعتمادها لدونالد ترامب (الرئيس الأمريكي القادم) وإسرائيل”.وشدد على أن المسلحين بجنين مقاومون وليسوا “مرتزقة” أو خارجين عن القانون، كما تدعي أجهزة السلطة.

من جهتها، أكدت أستاذة السياسات والعلاقات الدولية سناء زكارنة أن المقاومة في جنين متجذرة وعصيّة على الإنهاء، معتبرة أن أي مبادرات تُعرض على السلطة ستفشل في ظل القرار السياسي الرافض للتعامل معها. أما غياث عابد، عضو لجنة التنسيق الفصائلي، فقد قدّم رؤية متوازنة، داعياً إلى الفصل بين مقاومة الاحتلال، التي تُعد حقاً مشروعاً، وبين الخروج عن القانون، مع تأكيده على ضرورة وجود حالة أمنية تحفظ المجتمع الفلسطيني دون المساس بالمقاومة.

كما أطلقت شخصيات مستقلة مبادرات تدعو إلى حوار وطني شامل يضم كافة الأطياف الفلسطينية، بهدف معالجة التوترات الداخلية وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة، حملت اسم مبادرة وفاق، والتي أطبقتها شخصيات وطنية ومجتمعية ومؤسسات أهلية وحقوقية وقوى يسارية. كما ونظم نشطاء مسيرة احتجاجية في جنين رفضًا لممارسات السلطة الفلسطيية مطالبين بتغيير السياسات المتبعة، غير أنها قوبلت بقمع الأجهزة الأمنية.

 

ردود الفعل الشعبية

موقف أهل المخيم

يعكس موقف سكان مخيم جنين من الأحداث الأخيرة حالة من الغضب والقلق والتحدي،  حيث يرفضون التدخل الأمني، وتسود حالة غضب من السلطة الفلسطينية، وقد عبّر عدد كبير من سكان المخيم عن رفضهم للعمليات الأمنية، معتبرين أنها استهداف مباشر للمقاومة ولتاريخ المخيم كرمز للنضال الفلسطيني. ويرون أن هذه العمليات تهدف إلى تفكيك البنية التنظيمية للمقاومة، خاصة في ظل ملاحقة أفراد “كتيبة جنين”، أحد سكان المخيم قال: “نحن في المخيم لا نعتمد على أحد لحمايتنا. كنا وسنبقى ندافع عن أنفسنا ضد الاحتلال، ولن نقبل بأي مساس بالمقاومين”. ويشهد المخيم يومية منذ بدء عمليات السلطة، للمطالبة بفك الحصار المفروض من قبلها.

كما يسود الخوف من التصعيد الداخلي لدى سكان المخيم من أن تؤدي هذه المواجهات إلى انقسامات داخلية أعمق بين الفلسطينيين. وبعض السكان دعا إلى وقف العمليات الأمنية والحفاظ على الوحدة الوطنية، مؤكدين أن الخلافات الداخلية تخدم الاحتلال الإسرائيلي.

من جهة أخرى يبرز الدعم للمقاومة بين سكان المخيم من خلال هتافاتهم في التظاهرات،  حيث إن الشباب في المخيم يعتبرون أن ما يجري ليس مجرد مواجهة مع السلطة، بل هو دفاع عن حقهم في مقاومة الاحتلال دون قيود. وتبرز دعوات لمراجعة سياسات السلطة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، والمطالبة بوقف ملاحقة المقاومين والإفراج عن المعتقلين.

يشكل موقف سكان مخيم جنين إحباطهم من السلطة الفلسطينية وعملياتها الأمنية، لكنهم أيضًا يحذرون من الانزلاق إلى صراعات داخلية قد تضعف النسيج الوطني الفلسطيني، كما ينعكس تأكيدهم على وقوفهم مع المقاومة ورفضهم أي محاولات لتقويضها حرجا للرواية الرسمية، حيث تشكل الحاضنة وتوجه أهل المنطقة دعامة مهمة لإسناد رواية المقاومين.

 

الكتل الطلابية في الجامعات

أبدت الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية مواقف واضحة تعكس تضامنها مع المخيم ورفضها للعمليات الأمنية التي تنفذها السلطة الفلسطينية. ففي جامعة بيرزيت نظمت الحركة الطلابية مسيرة حاشدة بمشاركة مئات الطلبة، نصرةً لمخيم جنين ودعمًا للمقاومة. خلال المسيرة.

وفي جامعة النجاح الوطنية أصدرت الكتل الطلابية بيانا أدانت فيه الأحداث. أما في جامعة القدس فأصدرت الكتل الطلابية في جامعة القدس بيانًا موحدًا نعت فيه الشهيد القائد يزيد جعايصة، الذي ارتقى برصاص أجهزة السلطة في جنين. عبرت الكتل عن سخطها واستنكارها لسياسات القمع التي تمارسها السلطة ضد المقاومة، مؤكدةً وقوفها خلف خيار المقاومة ورفضها لأي محاولات لقمعها.  وأعلنت بعض الكتل تعليقا للدوام. من جهتها أصدر الكتلة الإسلامية في الجامعة العربية الأمريكية بيانا احتجاجيا على ما تقوم به الأجهزة.

على صعيد متصل كان خطاب حركة الشبيبة الطلابية منسجما مع موقف السلطة الفلسطينية ومساعي الأجهزة وروايتها الرسمية، ولم تنخرط في الكتل الطلابية الأخرى في بياناتها وأنشطتها.

تعكس مواقف الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية تضامنًا واسعًا مع مخيم جنين والمقاومة الفلسطينية، ورفضًا للعمليات الأمنية التي تنفذها السلطة الفلسطينية، غير أن هذا الموقف يأتي في سياق انقسام كما في الشارع حول روايتين متناقضتين.

 

الناس وتوجهاتهم

شهدت منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية تفاعلاً واسعاً ومتبايناً حول الأحداث الأخيرة في مخيم جنين، حيث تتعددت المواقف بين مؤيد ومعارض لإجراءات الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

  1. الانتقادات للسلطة الفلسطينية:
  • اتهامات بالتنسيق مع الاحتلال: عبّر العديد من النشطاء عن استيائهم من العمليات الأمنية، معتبرين أنها تأتي في سياق التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتستهدف المقاومة الفلسطينية. أحد النشطاء كتب: “السلطة، التي لم تحرك ساكناً أمام هجمات المستوطنين والجنود الإسرائيليين على الضفة الغربية، تساهم في تجريد المخيمات من سلاحها الذي يُستخدم للدفاع عن النفس”.
  • اتهامات بالخيانة: اعتبر بعض النشطاء أن عمليات السلطة الفلسطينية في المخيم تمثل “خيانة” للمقاومة، متهمين إياها بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وقد تم تداول وسم #تسقط_سلطة_العار بشكل واسع في هذا السياق.
  • دعوات لوقف الاعتقالات: طالب نشاطاء مواقع التواصل الاجتماعي بوقف ما وصفوه بـ”الاعتداءات المشينة” والإفراج عن المعتقلين السياسيين، مؤكدين على ضرورة توجيه الجهود نحو الوحدة ومقاومة الاحتلال.
  • دعم للمقاومة: أعرب آخرون عن تضامنهم مع “كتيبة جنين” والمقاومين، مؤكدين على حقهم في الدفاع عن المخيم ومقاومة الاحتلال. استخدموا وسومًا مثل #جنين_تقاوم و#كلنا_جنين للتعبير عن دعمهم.
  • تساؤلات حول التوقيت: يشكك البعض في توقيت الحملة الأمنية، متسائلين عن “المصلحة العليا” التي بررت هذه الإجراءات.
  1. دعم إجراءات السلطة وقد برزت عدة تبريرات منها:
  • الحفاظ على الأمن:  رأى آخرون أن هذه العمليات ضرورية لبسط سيادة القانون ومواجهة “الخارجين عن القانون” الذين يهددون الاستقرار المجتمعي. أحد المستخدمين كتب: “رغم الخطر المحدق، فإن أبطال الأجهزة الأمنية يتحدون الموت لإنقاذ المواطنين في مخيم جنين .
  • فرض النظام: رأى مؤيدو السلطة أن العمليات تهدف إلى فرض النظام والقانون، معتبرين أن وجود “خارجين عن القانون” يهدد السلم الأهلي. تم تداول وسم #حماية_وطن لدعم هذه الإجراءات.
  • مكافحة الفوضى: أشار بعض المستخدمين إلى أن الحملة الأمنية تستهدف الحد من الفوضى وحماية المواطنين من التجاوزات.

على الرغم من حضور الروايتين في المنصات الرقمية وتفاعلات الناس، إلا أن غالبية التعليقات كانت تهاجم السلطة وتتجه لتبني الموقف الأول.

كما برز اتجاه ثالث داع للوحدة الوطنية وتجنب الفتنة الداخلية، حيث عبر خطاب بعض النشطاء عن أهمية الوحدة الوطنية وتجنب الانزلاق نحو صراعات داخلية، محذرين من أن هذه الخلافات تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. حيث برزت هذه التوجهات كموقف وسط بين الروايتين،  وسط دعوات لرفض الاقتتال الداخلي ومطالبة بالحوار وتحذير من الفوضى.

الوسوم (الهاشتاغات)

استخدمت وسوم للتضامن مع جنين مثل #جنين_تقاوم ووسم الرواية الرسمية للسلطة #حماية_وطن، حيث استخدمها النشطاء للتعبير عن مواقفهم المختلفة، سواء بالتضامن مع سكان المخيم أو لدعم العمليات الأمنية.

 

تعكس التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي حالة الانقسام في الشارع الفلسطيني حول أحداث جنين، بين من يرى في إجراءات السلطة ضرورة لحفظ الأمن، ومن يعتبرها استهدافاً للمقاومة، وتظل الدعوات للوحدة الوطنية وتجنب الفتنة الداخلية حاضرة بقوة في هذه النقاشات.

يشار أن أجهزة أمن السلطة نفذت حملة اعتقالات بحق عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية تعبيرهم عن آرائهم تجاه الأحداث وانتقادهم السلطة، حيث تم تصوير اعتذار النشطاء عن منشوراتهم من داخل المقرات الأمنية، فضلا عن تهديدات النشاطاء بالاعتقال والاستدعاء على خلفية منشوراتهم.

 

خلاصة

تباينت ردود الفعل على أحداث جنين بين إدانة الفصائل الفلسطينية لإجراءات السلطة واعتبارها استهدافًا للمقاومة، وبين تأكيد السلطة على ضرورة فرض النظام والقانون. ويكشف تحليل توجهات الإعلام الفلسطيني تجاه أحداث جنين عن غضب شعبي كبير وتباين في التغطية الإعلامية بناءً على الأجندات السياسية والقيم التي تعبر عنها مختلف الوسائل الإعلامية.