خاص مركز مقاربة
مقدمة
تفاعل الشارع الفلسطيني بقوة مع الحرائق التي داهمت ولاية كاليفورنيا في الولايات الأمريكية والتهمت مناطق واسعة منها وهجرت الملايين من سكانها، وقد جاء التفاعل عبر المنصات الرقمية ممزوجا بين السياسة والسخرية والمقارنة بين ما فعلته الولايات المتحدة في قطاع غزة وارتداد فعلها عليها.
يعكس تفاعل الجمهور الفلسطيني مزيجًا من التوجهات العاطفية، والتفسيرات الدينية، والمواقف السياسية تجاه الحرائق في الولايات المتحدة الأمريكية. ويسعى هذا التقرير إلى فهم توجهات الجمهور الفلسطيني وكيف تفاعل مع هذه الحرائق في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة بالأسلحة الأمريكية.
تفاعلات الفلسطينيون مع منشورات الحرائق
تم رصد نسب تفاعلات مرتفعة مع منشورات الحرائق في الولايات المتحدة الأمريكية عبر منصات التواصل الاجتماعية، وبالرغم من مرور 5 أيام على بدء اندلاعها في 8 يناير، إلا أن التفاعل ما زال يسجل أرقاما تدلل على اهتمام الشارع الفلسطيني بالموضوع وإن كان من منطلقات غير تضامنية وفق ما جرت العادة في قضايا الاهتمام.
رصد ما معدله 8 آلاف تعليق في كل محافظة من المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية في اليوم الخامس من اشتعال الحرائق في الولايات المتحدة فقط، والتي ربطت غالبيتها ما يحدث في أمريكا بالحرب على غزة، وأن هذا عذاب من الله ضد الساسة الأمريكان الذين امعنوا في قتل شعبنا وتمويل قاتليه.
كما أن موضوع الحرائق استحوذ على جزء من اهتمام الناس في المحافظات وزاحم القضايا الأخرى في الاهتمام بالرغم من زخم الأحداث على الساحة الفلسطينية لا سيما وتزامنها مع الأخبار المتواترة عن قرب عقد صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب على قطاع غزة.
توجهات تفاعلات الفلسطيين
برز توظيف التذكير بالمعاناة الفلسطينية، مثل القول: “بينما العالم يتعاطف مع حرائق كاليفورنيا، من يتعاطف مع البيوت الفلسطينية التي تحرقها جرافات الاحتلال؟” أو “كما تحترق أشجاركم، تحترق حقول الزيتون الفلسطينية يوميًا على يد المستوطنين”. فضلا عن مقارنة صور الدمار والخراب الذي خلفته الأسلحة الأمريكية في قطاع غزة بصور المناطق الواسعة التي التهمتها النيران وحولتها إلى خراب.
كما ربطت كثير من تعليقات الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي الحرائق بإرادة الله، واستخدمت آيات قرآنية للتأكيد على أن ما يحدث هو “جند من جنود الله” أو “عقاب إلهي”. واستُخدمت تعبيرات مثل “يمهل ولا يهمل” و”إن ربك لبالمرصاد”، للإشارة إلى أن الحرائق هي عدالة إلهية جراء الظلم الذي مارسته الولايات المتحدة.كما انتشر الدعاء بأن تكون هذه الحرائق انتقامًا إلهيًا أو “شفاءً لصدور المؤمنين”، ما يعكس استحضارًا عاطفيًا للدين في تفسير الأحداث.
تعكس الشماتة البادية في التعليقات حالة من الإحباط والغضب تجاه الهيمنة الأمريكية، والتي يُنظر إليها كقوة ظالمة. فضلا عن أن كثير من التعليقات أسقطت معاناة الفلسطينيين على ما يحدث في أمريكا، مستخدمة تعبيرات مثل “دعوها فإنها مأمورة”، و”أما أن تكون غزة مثل العالم أو يكون العالم مثل غزة”.
بالرغم من الشماتة العامة بما حدث، أبدى البعض قلقًا على المسلمين المقيمين في أمريكا، داعين الله لحمايتهم. كما أظهر البعض شكوكًا في مصداقية الصور المتداولة، مما يعكس وعيًا بتأثير التضليل الإعلامي، كما رصد تفريق بين الحكومة والشعب الأمريكي، حيث اتجهت الشماتة بأمريكا كحكومة وليس كشعب.
أخذت توجهات تفاعلات الجمهور عدة مناحي في بعدها السياسي:
- النقد للسياسات الأمريكية: وُصفت بعض التعليقات الولايات المتحدة بأنها “الشيطان الأكبر”، واعتُبر ما يحدث “رد فعل طبيعي” على سياساتها في الشرق الأوسط، وخاصة دعمها لإسرائيل.
- الربط بالقضية الفلسطينية: ظهرت عبارات مثل “ثأرًا لشهداء غزة”، “خطايا أطفال غزة”، مما يبرز شعورًا عميقًا بالظلم السياسي وتمنّي العدالة على المستوى الكوني.
- تحليل الأحداث من منظور مؤامرة: ربط البعض الحرائق بخطط أمريكية مستقبلية، مثل تجهيز ذرائع لضرب دول أخرى.
شكلت السخرية أسلوبا للتعبير عن الألم والنقد، مثل وصف أمريكا بأنها “دولة حاكمة العالم بقوتها مش قادرة تطفئ حريق عادي”، أو الإشارة إلى أن “السعودية ستعوضهم برفع أسعار الحج”.
الحرائق في الإعلام الفلسطيني
لوحظ أن اللإعلام الفلسطيني الرسمي والتقليدي عموما تناول موضوع الحرائق كخبر خارجي وبصورة موضوعية، مع اهتمام متواضع غير مكثف مع تطورات الحدث، فيما أن الحسابات الشخصية للفلسطينين كانت أكثر تدولا لأخبار الحرائق الأمريكية من الصفحات العامة ووسائل الإعلام التقليدية، وتحمل في خطابهامشاعر وردات فعل، ما يعكس تخطي الخطاب الشعبي لمحددادت ورسمية الخطاب في الإعلام التقليدي سواء الرسمي أو الفصائلي.
الخلاصة
تعكس تفاعلات الفلسطينيون تجاه الحرائق الأمريكية تفاعلًا إنسانيًا معقدًا، يغلب عليه الشماتة من حكومة سخرت مقدراتها لإحراق قطاع غزة بأسلحتها الفتاكة، ما انعكس كحالة من التنفس عن الغضب تجاه الحكومة الأمركية. وتكشف هذه التوجهات في التفاعل عن عمق الجرح الفلسطيني جراء الظلم الذي يعيشه الناس بسبب الدعم الأمريكي المطلق للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة، ما يجعلهم يفسرون أي أزمة تصيب خصومهم كنوع من القصاص الإلهي.


