قراءة في المواقف الشعبية عبر المنصات الرقمية إزاء وقف الحرب وتبادل الأسرى مع الاحتلال

مركز مقاربة للدراسات الإعلامية

لتحميل التقرير

 

مقدمة

بعد 471 يوما من حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وبدأت أولى عمليات تبادل الأسرى التي شكلت واحدة من أبرز الأحداث السياسية والإنسانية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، حيث تصدرت المشهد الإعلامي وحظيت بتفاعل كبير من الجمهور الفلسطيني.

شغلت قضية بدء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المنصات الرقمية، وحظيت باهتمامات واسعة النطاق في مختلف المحافظات، وقد تفاوتت توجهات الجمهور وزوايا اهتماماته بالموضوع، فضلا عن التعبيرات التي أخذت أبعادا متنوعة.

يسعى هذا التقرير إلى قراءة المواقف الشعبية تجاه صفقة تبادل الأسرى والإجابة عن السؤال: كيف تفاعل الجمهور مع بدء تنفيذ صفقة تبادل الأسرى عبر المنصات الرقمية؟

تعليقات الجمهور

تعكس تعليقات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات تعبر عن المواقف الشعبية تجاه الصفقة، لا سيما أن الموضوع أخذ بعدا وطنيا عاما، نظرا لتضمن الصفقة الإفراج عن أسرى من مختلف الفصائل في المرحلة الأولى، وتتضمن جزءا من المحكومين بالمؤبد، إضافة إلى أن السجال السياسي بين قطبي السلطة والمقاومة كان حاضرا في النقاشات، وترك أثره على الآراء التي تضمنتها مشاركات الناس عبر المنصات الرقمية، ويمكن تصنيف هذه التعليقات في أبعاد مختلفة أبرزها:

  1. الفرح والدعم والفخر: غلب على تعليقات الجمهور الإيجابية تجاه الصفقة، حيث عبّر من المعلقون عن مشاعر الفرح والارتياح، معتبرين الصفقة انتصارًا سياسيًا وإنسانيًا للشعب الفلسطيني وللمقاومة، وتكررت عبارات مثل: “الله أكبر” و”النصر للإسلام”، التي تشير IMG_0546-218x300 قراءة في المواقف الشعبية عبر المنصات الرقمية إزاء وقف الحرب وتبادل الأسرى مع الاحتلالإل
    ى شعور بالفخر والإيمان بأن المقاومة فرضت شروطها. كما أن من التعليقات ما أخذت منحى الدعوات بالنصر والفرج، وقد غلبت الأدعية
  2.  بالفرج لأهل غزة ونجاح الصفقة، تعبيرًا عن التضامن مع أهالي القطاع ومع الأسرى الذين طال انتظار حريتهم.

كما أظهرت التعليقات فخر الجمهور وفرحه بإنجاز المقاومة، حيث وصفها المعلقون بأنها تمثل قوة الشعب الفلسطيني وصموده، وتم ترديد عبارات مثل: “غزة العزة” و”الملوك دائماً متألقون” وهي تدل على التمجيد والدعم الكبير للمقاومة. فضلا أن هناك تركيزا واضحا على الشهداء والمصابين، مع الإشادة بصمود أهل غزة والحزن العميق على الشهداء والدمار في المباني.

  • التشكيك والتحفظ: في المقابل اتجهت تعليقات البعض إلى التخوفات والشكوك من نوايا الاحتلال، فقد  أبدى بعض المعلقين تحفظاتهم حول صدق نوايا الاحتلال، مستشهدين بسوابق غدر إسرائيلية في اتفاقات سابقة، لا سيما صفقة وفاء الأحرار عام 2012 التي أعاد الاحتلال اعتقال بعض من الأسرى المفرج عنهم.

في خضم التشكيك الذي أثارته بعض التعليقات حملت انتقادات تساءلت عن جدوى الحرب التي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، مشككة في توصيف الصفقة على أنها “نصر” بسبب حجم التضحيات. كما أن بعض التعليقات حملت نظرة تشاؤمية حول جدوى وقف إطلاق النار، مع الشك في استمرار الهدنة، مثل “هذا وقف مؤقت وهدنة ٤٥ يوماً ثم تعود الحرب”.

  • النقد السياسي: كانت هناك انتقادات حادة للسلطة الفلسطينية وتعليقات مثل: “حكومة عباس ستسلمهم لإسرائيل مرة أخرى” و”يوم عصيب على عباس” تشير إلى غضب من السلطة وسلوكها السياسي الذي لم تخط خطوة لحل قضية الأسرى أو حتى وقف الحرب على غزة، كما أشار بعض المعلقين إلى المفارقات في الاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية والمقاومة، فضلا عن مفارقات التضحيات بين غزة والضفة الغربية، مع تعليقات مثل: “لماذا تضحي غزة ليخرج أسرى الضفة والداخل؟” و”غزة تدفع الضريبة وحدها”.
  • الحزن والأسى: حيث عبر البعض عن مشاعر مختلطة تحمل من جهة صعوبة الفرح وسط المآسي الكبيرة التي عاشتها غزة، حيث بلغ عدد الشهداء والجرحى مستويات غير مسبوقة، ما جعل المشاعر تتأرجح بين الحزن على الخسائر والفرح بتحقيق تقدم سياسي وإنساني. كما أن القلق على المستقبل هاجس حاضر، حيث عبّرت تعليقات أخرى عن الخوف من تبعات الصفقة على الوضع العام في غزة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية. IMG_0534-169x300 قراءة في المواقف الشعبية عبر المنصات الرقمية إزاء وقف الحرب وتبادل الأسرى مع الاحتلال

السرديات السائدة

تتضمنت تعليقات الجمهور عدة سرديات أهمها:

  • سردية الانتصار: اتحهت غالبية التعليقات إلى تبني سردية انتصار المقاومة على الاحتلال، ووصف ما حدث  بأنه انتصار على الاحتلال، يتجلى في صمود المقاومة على مدى 471 يوماً وإطلاق سراح الأسرى رغم التضحيات، فضلا عن مشاهد الانتشار العسكري الكبير لأفراد المقاومة قبل وخلال تسليم الأسيرات الأسرائيليات، والتي حملت رسائل مهمة من قبيل أننا هنا وبكامل أسلحتنا وقوتنا ولم تؤثر تلك الحرب الطويلة على قدرة المقاومين على الخروج من جديد، بل إن رسائل عززت هذه السردية بقوة مثل ظهور قوات النخبة في القسام والتي كانت أساس الفعل في بدء عملية طوفان الأقصى والهجوم على غلاف غزة، فضلا عن ظهور السيارات التي تم نقل الأسيرات الأسرائيليات من خلالها.IMG_0534 قراءة في المواقف الشعبية عبر المنصات الرقمية إزاء وقف الحرب وتبادل الأسرى مع الاحتلال

إن المشاهد التي عاشتها غزة في اليوم الأول من بدء وقف إطلاق النار، وانتشار عناصر المقاومة التي ظن الكثيرون أن الحرب أنهت وجودهم وأن غزة أضحت بلا قوة تديرها وتسيطر عليها، شكلت ضربة لتلك السردية وتحقيقا لسريدة أن المقاومة باقية ومتجذرة لدى الشعب، وقد عززت هذه السردية الهتافات التي علت حناجر الغزيين بالتمجيد بالمقاومة والمقاومين.

  • سردية التضحيات الجسيمة: عبر بعض المعلقين عن قلقهم من وصف ما حدث بالانتصار بسبب حجم الخسائر الكبيرة، ما يعكس صراعاً داخلياً بين مشاعر الفخر والتعبير عن الألم، وبالرغم أن هذه السردية تركزت في بعض المنصات المؤيدة للسلطة الفلسطينية، إلا أنها شكلت جزءا من توجهات الناس الذين يتبنون رايا مغايرا للمقاومة.
  • سردية القيادة الوطنية: أظهرت التعليقات وحدة شعبية حول المقاومة في غزة، لكنها أبانت انقساماً واضحاً في الموقف من القيادة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مركزة على سردية التمايز بين قيادة ورطت الشعب في اتفاقيات سياسية ما زال يدفع ثمنها، مقابل قيادة حققت نصرا وفرضت شروطها على دولة الاحتلال بالرغم من البون الشاسع في ميزان القوى بين الطرفين.

دلالات المواقف الشعبية

تتضمن تعليقات الجمهور وتفاعلاته مع موضوع صفقة تبادل الأسرى دلالات وتوجهات عدة، أبرزها:

  1. التضامن الوطني: فعلى الرغم من التباين في المواقف، فإن التعليقات أظهرت وحدة وطنية كبيرة في دعم المقاومة والتضامن مع غزة، ما يعكس الروح الوطنية التي لا تزال متماسكة في مواجهة التحديات.
  2. الأثر النفسي للحرب: حيث أثرت الحرب الطويلة وما صاحبها من دمار ومعاناة على قدرة البعض على الشعور بالفرح، حيث رأى العديدون أن الثمن كان باهظًا جدًا مقارنة بالإنجازات المحققة.
  3. غياب الثقة بالمحتل: فقد كررت معظم التعليقات التشكيك في نوايا الاحتلال، وهو ما يعكس خبرة طويلة للشعب الفلسطيني مع ممارسات الاحتلال الغادرة.

كما أن التعليقات أبرزت عددا من مظاهر الاستجابة العاطفية، منها:

  • الدعاء والشكر:تعددت تعليقات الدعاء والامتنان، ما يشير إلى ارتباط روحي قوي بالقضية.
  • الفرح الحذر: برزت تعليقات تعبر عن فرح مشوب بالحذر والقلق من المستقبل، خاصة مع استمرار التهديدات الإسرائيلية.
  • التضامن مع الأسرى والشهداء: يظهر الحس الإنساني والوطني جلياً في التعليقات التي ركزت على الأسرى والشهداء واعتبرتهم رمزاً للتضحية.

التفاوت الجغرافي في التوجهات

تركزت تعليقات الجمهور في بعض المحافظات في الضفة الغربية مثل رام الله والبيرة والقدس على مشاعر الامتنان والفخر بالمقاومة، إلى جانب الحذر من تداعيات وقف إطلاق النار، مع تأكيد على دور غزة في تمثيل المقاومة الفلسطينية.

أما محافظات جنوب الضفة الغربية لا سيما الخليل، فقد أظهرت تعليقات الجمهور قدراً كبيراً من الدعم والاعتزاز بالمقاومة، خاصة مع الإشارة إلى الأسيرة “الإيمامة الهرينات”، كما كان هناك تفاعل مع المأساة التي عاشتها غزة، مع التأكيد على أهمية الأسرى كرمز للنضال، واتسمت التعليقات بتفاؤل واضح ودعوات بنجاح الصفقة، على الرغم أن بداية التغطية الإعلامية شهدت بعض الشكوك بمصداقية الأخبار عن تنفيذ الصفقة ووقف إطلاق النار.

كما عكست تعليقات الجمهور في شمال الضفة لا سيما محافظة نابلس وسلفيت روحاً إيجابية مليئة بالدعاء والاستبشار بمستقبل أفضل، لكنها لم تخلُ من النقد تجاه الأطراف السياسية الأخرى، مع التذكير بتضحيات غزة. وأظهرت التعليقات تأييدًا كبيرًا للمقاومة، مع التأكيد على دورها الأساسي في حماية المشروع الوطني الفلسطيني، ولوحظت مشاعر الحزن والأسى على حجم الخسائر، حيث دعا المواطنون للتوازن بين الفرح بالإنجاز والحزن على المآسي.

أما قلقيلية فكانت مشاعر الفخر والسعادة هي الغالبة، إذ أظهرت التعليقات دعمًا كبيرًا للمقاومة واعتزازًا بصمود غزة، فيما عبر بعض المواطنين، خاصة من المؤيدين لحركة فتح، أن الصفقة مكلفة للغاية من حيث الأرواح والدمار.

الخاتمة

تشير ردود الفعل الشعبية إلى تعقيد المشهد النفسي والاجتماعي المرتبط بالمشهد الإعلامي لصفقة تبادل الأسرى، وبينما يُنظر إلى الصفقة كإنجاز مهم، فإنها لا تعزل عن السياق الأكبر لمعاناة الشعب الفلسطيني. ما يفرض فلسطينيا ضرورة إدارة الأزمات بوعي والتعامل مع هذه المواقف بتعزيز الثقة مع الشعب، وتقديم تفسيرات واضحة لخطوات المقاومة ونتائجها.

يتضح من خلال قراءة توجهات الجمهور أنه من المهم الاستثمار في مشاعر الفخر والفرح لدعم الصمود الوطني، مع التركيز على تعويض المتضررين وإعادة بناء البنية التحتية في غزة. وبذلك، يمكن تحويل هذا الحدث من مجرد إنجاز إلى خطوة استراتيجية نحو تحرير الأرض واستعادة الحقوق.

  • اعتمدت القراءة على مئات التعليقات التي تم تحليلها من عشرات المنصات الرقمية الفلسطينية من مختلف المحافظات.