مقاربة سيميائية لتسليم المقاومة الفلسطينية جثامين الأسرى الإسرائيليين

خاص بمركز مقاربة للدراسات الإعلامية

مقدمة

يقدم هذا التقرير تحليلًا سيميائيًا لعملية تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين، مسلطًا الضوء على الرموز البصرية واللغوية التي تضمنتها المراسم، والرسائل التي سعت المقاومة الفلسطينية إلى إيصالها من خلال هذا الحدث. فمن خلال دراسة العناصر البصرية، مثل الأزياء العسكرية، والإيماءات الجسدية، والموقع المختار للتسليم، بالإضافة إلى الرموز اللغوية المستخدمة في اللافتات، والجداريات، والمنصة، يسعى التقرير للكشف عن الأبعاد السياسية والنفسية لهذا الحدث. كما يبرز التقرير كيف تم توظيف هذه الرموز لإيصال رسائل استراتيجية موجهة إلى المجتمع الإسرائيلي، الرأي العام الدولي، والجمهور الفلسطيني، بما يعزز سردية المقاومة ويفرض معادلات جديدة في المشهد السياسي والعسكري.

 

وصف عام

تم تسليم جثامين أفراد عائلة بيباس، إلى جانب جثمان الأسير عوديد ليفشتس، في خطوة تحمل دلالات قوية. وتعكس هذه العملية رسالة واضحة مفادها أن المسؤولية عن مقتل هذه العائلة تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي وقيادته، حيث أدى استمرار الحرب وعدم وقفها إلى هذه النتيجة المأساوية. ومن شأن هذا الحدث أن يزيد الضغط على المجتمع الإسرائيلي لدفعه إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه المضي قدمًا في إنجاز الصفقة ومنع تكرار مثل هذه الحوادث.

تميزت مراسم التسليم بحضور واسع ومتنوع شمل أطيافًا مختلفة من المجتمع الفلسطيني، ما يعكس سيطرة حركة حماس على المشهد بعد الحرب. شارك في الحدث قادة سياسيون وعلماء ومسؤولون حكوميون، إضافة إلى ممثلين عن العشائر والمخاتير وذوي الشهداء والأسرى المحررين الذين أُفرج عنهم في صفقات التبادل الأخيرة، ما يبرز وحدة الصف الفلسطيني في هذا السياق.

 

تحليل العناصر البصرية

▪️المقاومون

ظهرت خلال عملية التسليم مجموعات عسكرية متنوعة برزت من خلال الأزياء العسكرية لعناصر كتائب القسام، وهو أمر غير مسبوق في عمليات تسليم سابقة، ويعكس هذا التنوع مشاركة وحدات مختلفة من الكتائب في الحدث، كما أن ظهور مقاتلين من فصائل مقاومة أخرى بلباس مغاير يحمل رسالة مفادها أن الفصائل المسلحة بمختلف تشكيلاتها لا تزال في أوج قوتها، خلافًا لما تحاول الدعاية الإسرائيلية ترويجه.

▪️إيماءات المقاوميين

اتسمت تحركات عناصر المقاومة خلال المراسم بالدقة والتنظيم، ما يشير إلى تنسيق مسبق وخطة مدروسة بدقة. برزت إشارات محددة بينهم للتحرك والتوقف والبدء والإنهاء، في مشهد يؤكد وحدة العمل المشترك بين مختلف فصائل المقاومة، التي تحركت وفق آلية موحدة تعكس مدى التنسيق والتخطيط المتبع.

▪️المكان

تم اختيار المنطقة الشرقية لخانيونس كموقع للتسليم، وهي منطقة تحمل رمزية خاصة في الذاكرة الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، إذ شهدت معارك عدة للمقاومة، مثل عملية “حد السيف” بقيادة نور بركة، و”كمين الأبرار” في رمضان الماضي بقيادة سالم الدرديسي. كما أن العديد من عمليات المقاومة التي وقعت يوم 7 أكتوبر، والتي ما زالت تفاصيلها غير مكشوفة بالكامل، حدثت في هذه المنطقة.

تمت مراسم التسليم في مقبرة الشهداء في بني سهيلا، وهي مقبرة سبق أن دمرها الاحتلال الإسرائيلي أثناء بحثه عن الأسرى، حيث تم العبث بالقبور وحفر الأرض في محاولة العثور عليهم. يحمل اختيار هذا المكان رسالة تحدٍّ واضحة، مفادها أن الاحتلال الذي انتهك حرمة الموتى الفلسطينيين لم يتمكن من تحقيق هدفه، بينما حافظت المقاومة على جثث قتلاه، مما يعكس إنسانيتها في مقابل وحشية الاحتلال. كذلك، فإن تسليم الجثامين من موقع دمره الجيش الإسرائيلي سابقًا يشير إلى فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه رغم تدميره للمنطقة.

في مراسم التسليم، جلس الأسرى المحررون مؤخرا على كراسي خاصة مقابل المنصة، في إشارة إلى مكانتهم ودورهم في عملية التبادل الأخيرة.

 

الرموز اللغوية

▪️المنصة

تم تجهيز منصة رئيسية تضم شاشة عرض كبيرة، استُخدمت لعرض رسائل بصرية متنوعة، تضمنت صورًا وعبارات للرد على الدعاية الإسرائيلية. جاءت هذه العبارات كرد مباشر على الشعارات التي ظهرت على ملابس الأسرى المحررين في الدفعة السابقة، حيث حملت المقاومة عبارة:

ما كنا لنغفر أو ننسى، وكان الطوفان موعدنا

كما تضمنت المنصة رسالة تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قتل أسراه، حيث كُتب عليها بثلاث لغات:

قتلهم مجرم الحرب نتنياهو وجيشه النازي بصواريخ الطائرات الحربية الصهيونية

كما تم عرض صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هيئة مصاص دماء، في إشارة رمزية إلى مسؤوليته عن المجازر.

▪️التوابيت والصواريخ

حملت التوابيت الأربع صور الأسرى الإسرائيليين الذين قُتلوا، وهم: الأم وطفلاها، بالإضافة إلى أسير آخر مسن، إلى جانب صورة نتنياهو، في إشارة إلى تحميله المسؤولية عن مقتلهم. كما ظهرت صور لرئيس الأركان ووزير الدفاع الإسرائيليين، إضافة إلى صور الصواريخ الأمريكية التي استخدمت في استهداف الأسرى. تهدف هذه الرمزية إلى إيصال رسالة للمجتمع الإسرائيلي بأن المقاومة قامت بكل ما بوسعها للحفاظ على الأسرى، لكن الجيش الإسرائيلي، بدعم أمريكي، هو من أصرّ على قتلهم.

مشهدية التوابيت حملت دلالات خاصة، حيث صنعت بمقابض خشبية جانبية لحملها على مستوى الجسم دون الأكتاف كما في جرت العادة في توابيت الشهداء والموتى الفلسطينيين، فضلا عن لونها الأسود الدخيل على العرف الفلسطيني أيضا، وفي هذه دلالة لاختلاف قتلى الاحتلال الذين لا يقارنون بأموات وشهداء الفلسطينيين، مع المحافظة على مشهدية الاحترام للميت بغض النظر عن كونه عدوا.

▪️الجداريات

تم وضع عدد من الجداريات التي حملت رسائل قوية، منها:

  • جدارية “كمين الأبرار – الزنة، التي تضمنت صورًا لجنود الاحتلال الذين قُتلوا في الكمين، إضافة إلى مقتنيات أخذتها كتائب القسام بعد الاشتباك.
  • جدارية أخرى حملت عبارة: “عودة الحرب = عودة الأسرى في توابيت، كتحذير من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية للإسرائيليين.

كُتبت هذه الجداريات باللغات العربية، والإنجليزية، والعبرية، لضمان إيصال الرسائل إلى الشرائح المختلفة:

  • الجمهور العربي: لتعزيز الرواية الفلسطينية وإبراز بطولات المقاومة.
  • الإسرائيليون: لتحفيز الرأي العام الداخلي على الضغط ضد استئناف الحرب.
  • المجتمع الدولي: لتقديم صورة مغايرة عن المقاومة الفلسطينية، بعيدًا عن الدعاية الغربية.

▪️اللافتات والشعارات

رفع عناصر القسام لافتات كُتب عليها:

وكان الطوفان موعدنا.. واليوم التالي طوفان وهو رد مباشر على الشعارات التي كتبها الاحتلال على ملابس الأسرى الإسرائيليين، والتي حملت عبارة: ما كنا لنغفر أو ننسى، وكان الطوفان موعدنا.

كما حمل المقاتلون لافتات تحمل أسماء عمليات مقاومة بارزة وفق تشير إليها مواقع ووحدات إسرائيلية المستهدفة، مثل:

  • مجموعة أوريم
  • مجموعة موقع 8200
  • مجموعة موقع التدخل
  • مجموعة نيريم
  • مجموعة بيرعوز

إضافة إلى لافتات حملت أسماء عمليات مثل كمين الزنة، في إشارة إلى العمليات التي كبدت الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة.

تحمل هذه اللافتات رسائل تذكيرية بهذه الكمائن وما خلفته من قتلى إسرائيليين، وهي رسائل مفادها أن العودة للحرب هي عودة لمثل هذه الكمائن.

 

▪️توقيع التسليم

تصدر توقيع ورقة التسليم قائد في كتائب القسام من وحدة الظل المسؤلة عن الحفاظ على الأسرى، حيث جلس بجوار مندوبة الصليب الأحمر على طاولة على المنصة، وقاما بتوقيع الأوراق وختمها من قبل القسام.

 

الرموز الصوتية

كانت أهازيج المقاومة وأناشيدها الصوت البارز عبر مكبرات الصوت، ويلاحظ أنها كانت منوعة وليست مقتصرة على نشيد فصيل واحد، لم يظهر هناك أي صوت آخر على خلاف المرات السابقة التي كانت تلقى فيها كلمات لبعض الأسرى.

خاتمة

تعكس هذه المراسم رسائل متعددة الأبعاد، تستهدف الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي والدولي، عبر الرموز البصرية واللغوية التي تؤكد على قوة المقاومة وتكشف زيف الدعاية الإسرائيلية، مع التركيز على تحميل الاحتلال المسؤولية عن مقتل الأسرى، وبيان أن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر في صفوف الإسرائيليين.

حملت مراسم التسليم دلالات رمزية متعددة أكدت على صمود المقاومة الفلسطينية واستمراريتها، مقابل صورة الفشل التي لحقت بالاحتلال في تحقيق أهدافه. فمن خلال الرموز البصرية والتفاصيل الدقيقة للمراسم، تعززت رسالة مفادها أن المقاومة لا تزال في أوج قوتها، وأن المجتمع الفلسطيني يقف موحدًا خلفها. كما شكّل الحدث نقطة ضغط جديدة على الرأي العام الإسرائيلي، في ظل تحميل قيادته مسؤولية قتل الأسرى، مما يعكس تداعيات سياسية قد يكون لها تأثير مستقبلي على مجريات الصراع.

كما يعكس خطاب نتنياهو الاستباقي لعملية التسليم والذي هيأ فيها صعوبة مشاهد التسليم، بالإضافة لخطاب الدلالات من المقاومة يعكس البعد العاطفي الذي ركزت الرسائل على تعزيزه لدى الجمهور الإسرائيلي، لذا فحرب الرسائل خلال عملية التسليم ليست بأقل ضراوة من الحرب المسلحة.