ما الرسائل والدلالات التي تضمنتها عملية تسليم المقاومة الفلسطينية الدفعة السابعة من الأسرى الإسرائيليين؟

لتحميل التقرير من هنا

خاص مقاربة للدراسات الإعلامية

 

المقدمة

حملت عملية تسليم الدفعة السابعة من الأسرى الإسرائيليين ضمن المرحلة الأولى أهمية كبيرة كونها الدفعة الأخيرة التي تسبق انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، وعليه تضمنت رسائل مهمة وسط جمود في مفاوضات المرحلة الثانية، تركزت كرسائل ضاغطة على الجبهة الداخلية للاحتلال للضغط على حكومته. حيث شهدت غزة الإفراج عن ستة أسرى إسرائيليين وهم: إيليا ميمون، وإسحاق كوهن، وعومر شيم توف، وعومر فنكرت، وتال شوهام، الذين أُسروا في 7 أكتوبر، بالإضافة إلى الأسيرين أفيرا منغستو وهشام السيد، المحتجزين منذ عامي 2014 و2015.

جاءت عملية التسليم في رفح ومخيم النصيرات، في مشهد مليء بالرموز البصرية التي حملت دلالات سياسية وعسكرية وإنسانية، عكست قوة التنظيم لدى المقاومة ورسائلها الموجهة إلى الاحتلال والعالم.

 

تحليل العناصر البصرية

  • اللباس

لباس الأسرى

ظهر الأسيران اللذان تم تسليمهما في رفح بملابس رياضية غير موحدة، مما يدل على أنهما مدنيان وليس ليسا عسكريين، وهي مفارقة تسعى المقاومة لإبرازها في الأسرى الجنود وذوي الخلفية العسكرية، كما هو الحال مع الأسرى الذين تم تسليمهم في مخيم النصيرات، فقد كانوا يرتدون زياً عسكرياً، كونهم جنود احتياط في الجيش الإسرائيلي، وقد تم أسرهم أثناء المعارك أو من مواقعهم العسكرية.

لباس المقاتلين

تنوعت ملابس مقاتلي كتائب القسام وفقاً للوحدات التي شاركت في عملية التسليم. فقد ارتدى أفراد وحدة الظل الزي الأسود، بينما ظهر آخرون بزي مموه أخضر أو صحراوي، في إشارة إلى تعدد الوحدات المشاركة، مثل وحدة الدروع، وحدة النخبة، ووحدة الظل.

  • المقاومون

عناصر كتائب القسام انتشروا بكامل تجهيزاتهم العسكرية، مسلحين بأسلحتهم، في مشهد منظم يعكس الجاهزية الأمنية والتنظيمية لضمان نجاح عملية التسليم وسط الحشد الجماهيري. وقد شاركت في المراسم أيضاً عناصر من سرايا القدس، مما يعكس التنسيق بين الفصائل.

  • حركات الجسد

في التسليم الذي تم في رفح تنوعت الإيماءات وحركات الجسد:

  • مقاتلو كتائب القسام: تحركوا وفق إشارات متفق عليها مع القادة الميدانيين أثناء عملية التسليم، من لحظة إحضار الأسرى إلى الساحة، مرورًا بنقلهم إلى المنصة، وحتى تسليمهم إلى مركبات الصليب الأحمر.
  • رفع الأسلحة: عند دخول وحدة الظل برفقة الأسرى، رفع المقاتلون أسلحتهم نحو السماء، في رسالة تؤكد على حماية الوحدة ودورها في حفظ الأسرى، وتعكس استعداد المقاومة للدفاع عنهم.

في مخيم النصيرات، شهدت مراسم التسليم طابعًا مختلفًا، حيث بدأ الحدث بتحية العلم وأداء نشيد “فدائي”، في عرض عسكري منظم يحاكي الجيوش النظامية أكثر من كونه استعراضًا لفصيل مقاوم. كما ظهر الأسرى بحالة من الطمأنينة، بل ورفع بعضهم إشارات النصر الفلسطينية ولوّحوا للجمهور، ما يعكس طبيعة العلاقة التي جمعتهم بآسريهم. وكان المشهد الأبرز عندما قام أحد الأسرى بتقبيل رأس أحد مقاتلي وحدة الظل، في صورة تؤكد على حسن معاملة المقاومة للأسرى وفق أخلاقيات الحرب، بما يتناقض مع الدعاية الإسرائيلية التي سعت لتشويه صورتها، وفي هذه الحركة نجاحا كبيرا تحققه المقاومة الفلسطينية في بناء الصور الذهنية والسمعة.

  • توقيع التسليم

قام قائد من وحدة الظل في كتائب القسام، المسؤولة عن حماية الأسرى، بتوقيع وثيقة التسليم بجوار مندوبة الصليب الأحمر، حيث تمت العملية وفق إجراءات رسمية على المنصة، ما يعكس اهتماما واضحة بالبروتوكولات.

  • عرض الأسلحة

حمل عناصر القسام أسلحة محلية الصنع، مثل قاذفات الياسين التي استخدمت في استهداف الآليات العسكرية الإسرائيلية. كما تم عرض عدد من قطع السلاح على المنصة، حيث تم توجيه فوهات البنادق نحو الأسفل، في دلالة عسكرية تعني أن هذه الأسلحة قد تم اغتنامها عنوة بعد مقتل جنود الاحتلال، وتم سلب شرفها العسكري من أصحابها، حيث حملت هذه رسائل تعبر عن القوة أرسلتها القسام حيث الكمائن النوعية التي شهدتها مدينة رفح، والتي تؤكد للجمهور الإسرائيلي خسائر الجيش التي يخفيها عنهم.

أحضر القسام الأسرى في مركبات جديدة بيضاء اللون بحالة ممتازة، في رسالة موجهة إلى الاحتلال، مفادها أن هذه المركبات لم تُمسّ بسوء، ما يعكس فشل الاحتلال في الوصول إلى معدات المقاومة، ناهيك عن الأسرى المحتجزين لديها.

  • المكان

جرى تسليم الأسرى في مكانين منفصلين في رفح ومخيم النصيرات:

الموقع الأول: رفح – وسط الدمار والصمود

جرى التسليم في مدينة رفح، التي تعرضت لدمار واسع نتيجة القصف الإسرائيلي، مما يحمل رسالة واضحة بأن المقاومة لا تزال ثابتة رغم محاولات الاحتلال للقضاء عليها. اختيار رفح جاء كرد على التهديدات الإسرائيلية التي سبقت العمليات العسكرية في المنطقة، ليؤكد أن المقاومة لا تزال متماسكة وتعمل بفاعلية رغم كل الضغوط.

في موقع التسليم، أقيمت منصة تزينها صور قادة شهداء، أبرزهم محمد الضيف وعدد من القادة العسكريين في كتائب القسام، ما يؤكد أن فقدان القادة لم يؤثر على مسيرة المقاومة، بل إنها مستمرة في عملها المنظم، حيث يخلف كل قائد شهيد قائدٌ جديد، في تأكيد على النهج المؤسسي المتماسك للكتائب.

الموقع الثاني: مخيم النصيرات – قضية اللاجئين والتمسك بالوطن

تم التسليم في مخيم النصيرات، القريب من معبر كرم أبو سالم، في إشارة رمزية إلى تمسك اللاجئين الفلسطينيين بأرضهم رغم محاولات التهجير القسري. اللافتة الرئيسية في الموقع حملت رسالة قوية حول جذور الشعب الفلسطيني وارتباطه التاريخي بوطنه، مقابل الاحتلال الذي يتشكل من أفراد يحملون جنسيات متعددة ولا يمتلكون أي انتماء حقيقي للأرض، وهي رسالة مهمة على صعيد التهجير وأولوية هجرة الوافدين الغرباء.

كما يعكس اختيار النصيرات بعدًا إضافيًا مرتبطًا بسياسات التهجير الإسرائيلية، حيث يقطن المخيم لاجئون هجّروا عام 1948، ما يعزز رفض الفلسطينيين لأي مخططات تهجير جديدة. إضافة إلى ذلك، فقد كان المخيم مسرحًا لمعارك شرسة خلال العدوان الأخير، ما يجعل اختيار الموقع تأكيدًا على صمود المقاومة حتى في المناطق التي شهدت أقوى المواجهات.

 

اختيار رفح يأتي ردًا على التحشيد العسكري الإسرائيلي الذي سبق العمليات فيها، حيث لم يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه، لتأتي عملية التسليم كتأكيد على أن المقاومة لا تزال قادرة على التحرك في أي منطقة. في المقابل، فإن اختيار مخيم النصيرات يربط بين معاناة اللاجئين وتمسكهم بحق العودة، ليشكل بذلك رسالة قوية ضد أي محاولات لترحيل الفلسطينيين من أرضهم.

وأخيرًا، فإن تنفيذ عمليات التسليم في مناطق مختلفة من القطاع يعكس وحدة المقاومة والتنسيق العالي بين مختلف الألوية والسرايا، مما ينفي مزاعم الاحتلال حول تفتيت كتائب القسام. بل على العكس، فإن العملية تؤكد أن المقاومة تعمل وفق نهج مؤسسي عسكري منظم يمتد على كامل قطاع غزة، وهو ما تجسد في نجاح المرحلة الأولى من تسليم الأسرى.

 

الرموز اللغوية المكتوبة

في رفح، كُتبت عبارات على اللافتة الرئيسية باللغات الثلاث: العربية، والإنجليزية، والعبرية. وجاءت العبارة الرئيسية: “نحن الطوفان.. نحن البأس الشديد”، مصحوبة بصور توثق مراحل التحرير، وعمليات المقاومة السابقة، والأسلحة المستخدمة في المعارك، بالإضافة إلى صور للجنود الأسرى والأبراج العسكرية التي تمت مداهمتها، ومن بينها عملية أسر الجندي جلعاد شاليط.

أسفل المنصة، وُضعت عبارة أخرى: “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، في إشارة إلى مقولة القائد الشهيد يحيى السنوار، وترسيخًا لفكرة أن الشعب الذي يعاني الاحتلال، رغم الدماء التي تسيل، سيواصل النضال من أجل حريته، وسيستمر في دق جدران القمع حتى تحقيق التحرر، مهما بلغت التضحيات. وفي تغيير لافت، تم استبدال اللغة العربية في اللافتة السفلية باللغة العبرية، حيث كُتبت عبارة: “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، في رسالة موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي. ويعكس هذا التعديل دقة التخطيط في رسائل القسام، التي يتم اختيار كلماتها وصياغتها والجمهور المستهدف بعناية لإيصال المعاني المطلوبة بوضوح.

أما في مخيم النصيرات، حيث الموقع الثاني للتسليم، فقد حملت اللافتة عبارة: “الأرض تعرف أهلها.. من الأغراب مزدوجي الجنسية”، وجاء ترتيب اللغات على النحو التالي: العربية،ثم العبرية، ثم الإنجليزية. كما زُينت اللافتة بشجرة زيتون، رمزًا لصمود أبناء الأرض في مواجهة الاحتلال، رغم محاولات اقتلاعهم بجرافاته، واستهداف المقاومة لهسه الجرافة كناية على دورها في دحر المحتل. وتعكس هذه الرسالة خصوصية المكان، كونه مخيمًا للاجئين الفلسطينيين الذين يؤكدون على حقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية، في مقابل من يحملون جنسيات مزدوجة ولا يملكون ارتباطًا حقيقيًا بالأرض.

التحليل الصوتي

  • الصوت العام:

في رفح، علت أصوات الأناشيد والأهازيج الفلسطينية، إلى جانب التكبيرات، فيما قام أحد عناصر القسام بإعلان تفاصيل عملية التسليم عبر المنصة، وفق البروتوكول المعتاد.

في مخيم النصيرات، ظهر صوت تلاوة أحد مقاتلي القسام لآيات من القرآن الكريم في بداية التسليم وهذه رسالة تحمل دلالة دينية مهمة تقول للعالم إن هذه المشاهد من تسليم وحسن معاملة الأسرى ما هي إلا دروس دينية يلتزم بها الفلسطينيون عن عقيدة ثابتة.
كما عزف النشيد الوطني الفلسطيني في مشهد يحمل دلالة مهمة أن القسام ليس فصيلا تابعا لحركة حماس فحسب ، وإنما هو جيش فلسطين الذي يقاتل باسم الشعب الفلسطيني جميعه.

  • كلمات الأسرى:

تحدث أحد الأسرى المدنيين بكلمة مقتضبة، شكر فيها كتائب القسام، لكن صوته لم يكن واضحًا بسبب الضجيج الناجم عن الحشد الجماهيري الكبير وحالة الطقس.

 

تسليم الأسير هشام السيد

إن تسليم الأسير هشام السيد من غير مراسم تكريما لفلسطيني  48 وهي رسالة مهمة للفلسطيين الذين يخدمون في جيش الاحتلال أنكم بالرغم ارتكابكم جريمة في الانتماء لهذا الجيش، إلا أنكم تبقون من هذا النسيج، ما يشكل حافزا لمنضويين تحت جيش الاحتلال لإعادة حساباتهم، خاصة أن جيش الاحتلال أهمله مدة 10 سنوات دون أن يكترث لاعتقال أو يسعى إلى الإفراج عنه أسوة بالأسير ذو البشرة السوداء الذي أهمله أيضا.

 

 

خلاصة

يُظهر التحليل خطابًا سياسيًا مدروسًا يستخدم ترتيب اللغات والرموز البصرية لإيصال رسائل متعددة للجماهير المستهدفة، سواء الفلسطينيين لتعزيز الهوية والمقاومة، والرأي العام العالمي، والعبرية للجمهور الإسرائيلي، كما تتجلى الرموز البصرية مثل شجرة الزيتون، وصور الأسرى، والمواجهات العسكرية، في تعزيز فكرة الصمود الفلسطيني مقابل الاحتلال. كما يعكس ثنائية “الأرض والهوية” مقابل “الاحتلال والاغتراب”، حيث يُبرز الفلسطينيين كأصحاب الأرض الأصليين، في مقابل تصوير الإسرائيليين كوافدين بلا جذور. ويوظف الخطاب العاطفة والذاكرة التاريخية عبر اقتباسات القادة الشهداء والرموز الثقافية، مما يعزز استمرارية النضال. وبهذا، لا تقتصر المقاومة على المواجهة العسكرية، بل تمتد إلى الإعلام والتأثير النفسي، مما يعكس وعياً استراتيجياً في إدارة الصراع.