إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية
لقراءة التقرير هنا
مقدمة
يتنوع اهتمام الشارع الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي بين قضايا حقوقية، واجتماعية، ودينية، وأمنية، واقتصادية، مما يعكس التشابك بين الحياة اليومية للفلسطينيين وظروف الاحتلال المستمرة. وتتوزع هذه القضايا على عدة محاور، منها ما يتعلق بحرية الأسرى والتضامن مع عائلاتهم، أو الأزمات الاقتصادية مثل ارتفاع الأسعار وصرف الرواتب، إلى جانب القضايا الأمنية مثل الاقتحامات العسكرية والاعتقالات. كما لا تشمل الاهتمامات أيضًا القضايا الدينية والاجتماعية التي تلعب دورًا محوريًا في حياة الفلسطينيين لا سيما في شهر رمضان، مما يعكس واقعًا تتداخل القضايا اليومية مع الأوضاع السياسية والأمنية.
يهدف هذا التقرير الأسبوعي إلى فهم القضايا التي أثارت اهتمام الفلسطينيين، وتحليل مدى التفاعل معها وتأثيرها على الرأي العام.
اهتمامات الجمهور
تتنوع القضايا الرئيسة التي حظيت باهتمام الشارع الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي بين حقوقية، واجتماعية، ودينية، وأمنية، واقتصادية، مما يعكس الواقع الفلسطيني وتشابك قضاياه مع الاحتلال في الحياة اليومية. ويمكن تصنيف هذه القضايا في أبعاد مختلفة أبرزها:
- القضايا الحقوقية: شملت تحرر الأسرى الفلسطيين واللقاءات مع عائلاتهم، إضافة إلى الوقفات الاحتجاجية ضد الاحتلال.
- القضايا الاجتماعية: تضمنت التعازي بالوفيات الناتجة عن الحوادث أو الأمراض، والشجارات العائلية، والإفطارات الرمضانية، والمبادرات الخيرية مثل توزيع الوجبات المجانية. كما برزت ظواهر اجتماعية مثل ظاهرة “الستريك” على سناب شات.
إن القضايا الاجتماعية كانت الأكثر حضورًا، وهي تعكس روح التضامن بين الفلسطينيين في مواجهة الأوضاع الصعبة، وتكشف أيضًا عن التحديات المجتمعية التي تتطلب حلولًا أكثر استدامة.
- القضايا الدينية: تمحورت حول استقبال شهر رمضان، ورصد هلاله،و أهمية وقت السحر، وتنظيم المسابقات الرمضانية لحفظ القرآن الكريم، حيث كانت أبرز الموضوعات الدينية التي تم تداولها والتفاعل معها. وهذا الاهتمام الكبير بالجوانب الدينية يعكس الدور المحوري للإسلام في الحياة الفلسطينية، حيث يتمحور جزء كبير من الحياة الاجتماعية والثقافية حول المناسبات الدينية. كما أن قضايا مثل دخول المسجد الأقصى وتجريف المحال التجارية تشير إلى الأبعاد السياسية للاهتمام الديني في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
- القضايا الاقتصادية: شملت ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل الخضار والقطايف، والأزمات المالية كصرف الرواتب بنسبة 70%، والتحديات التي تواجه المزارعين مثل محصول العكوب.
- القضايا الأمنية: تمثلت في الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية، وإغلاق الحواجز، والاشتباكات العائلية التي أسفرت عن قتلى وجرحى خاصة في مدينة الخليل. هذه الموضوعات تعكس مدى تعقيد الوضع الأمني في فلسطين، حيث تتداخل القضايا الأمنية الداخلية مع السياسات الإسرائيلية التي تزيد من الضغط على المجتمع الفلسطيني.
- القضايا الخدمية: تضمنت مشكلات الكهرباء، ومبادرات مثل التكايا الرمضانية لدعم الأسر المحتاجة، وتأثير الأوضاع الاقتصادية على الخدمات العامة.
- القضايا التعليمية والثقافية: شملت تأخر الطلاب عن الحصص الدراسية، وتعيين مديرين للجامعات، وعرض أفلام ثقافية مثل “لا أرض أخرى”.
يظهر من هذه القضايا مدى تشابك الأحداث اليومية مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يعكس الواقع الفلسطيني المعقد والتحديات التي تواجه المجتمع.
كما يكشف التحليل أن القضايا المطروحة ليست منفصلة عن السياق السياسي العام، بل تتداخل بشكل واضح مع واقع الاحتلال الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، القضايا الاقتصادية مثل ارتفاع الأسعار ترتبط بسياسات الحصار والقيود المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني. كما أن القضايا الحقوقية، خاصة ما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، تعكس الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة. هذا التشابك بين القضايا اليومية والسياسية يظهر مدى تعقيد الواقع الفلسطيني، حيث لا يمكن فصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية عن الأوضاع السياسية والأمنية.
الاهتمامات السياسية
برزت اهتمامات الناس في عدة موضوعات سياسية أهمها:
- تصاعد المواجهات والعمليات العسكرية
تشهد الساحة الفلسطينية تصاعدًا في المواجهات مع قوات الاحتلال، حيث برزت عدة أحداث رئيسية:
- عمليات الطعن والدهس: مثل عملية الدهس في الخضيرة وعمليات الطعن في حيفا.
- الاغتيالات والاعتقالات: اغتيال محمود سناقرة في مخيم بلاطة، واعتقال إبراهيم الشيخ في نابلس بعد مطاردة دامت عامين.
- الاقتحامات العسكرية: استمرار عمليات الاحتلال في طولكرم وجنين، مع هدم منازل في مخيم نور شمس.
- انتهاكات المستوطنين وتصاعد الاعتداءات
وبرز تفاعل الجمهور مع اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ومدينة سلفيت، إضافةً إلى قرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى، و اعتداءات المستوطنين في بروقين ومسافر يطا، وإغلاق مداخل محافظة سلفيت.
- التوترات السياسية والتصريحات المثيرة للجدل ومن أبرز هذه الموضوعات:
- تصريحات الداعية عثمان الخميس التي أثارت جدلًا واسعًا حول موقفه من حركة حماس ودور الدعاة في الصراعات السياسية.
- تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حول إعادة المفصولين من حركة فتح، ودعواته السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
- القمة العربية الطارئة في القاهرة التي انتهت دون تحقيق تأثير ملموس على الأرض، ما يعكس ضعف الدور العربي في دعم القضية الفلسطينية.
- موضوعات متعلقة بالأسرى والشهداء منها استشهاد الشاب أحمد مفيد الكيلاني، ووفاة زوجة الأسير المحرر زين الدين الهدمئ، واستمرار عمليات الاعتقال وهدم المنازل والمحال التجارية.
- قضايا سياسية واستيطانية ومن أبرزها:
- خطط الاستيطان وهدم المنازل في القدس وجنين.
- مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي يهدف إلى معالجة الدمار الناجم عن الاعتداءات الإسرائيلية.
- تصريحات ترامب التي أثرت على المشهد السياسي الفلسطيني، إلى جانب دعوات الزحف للأقصى.
تحليل الاهتمامات السياسية
أولًا: تركيز الجمهور الفلسطيني على الأحداث الميدانية
يتضح أن الجمهور الفلسطيني يولي اهتمامًا كبيرًا بالأحداث الميدانية، مثل العمليات العسكرية، والاغتيالات، والاعتقالات، واقتحامات المستوطنين. هذه القضايا تهيمن على المشهد الإعلامي الفلسطيني، حيث تعتبر مؤشرات مباشرة على تطورات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. الجمهور الفلسطيني لا يتابع هذه الأحداث من منطلق الفضول فقط، بل لأنها تؤثر بشكل مباشر على حياته اليومية، سواء من ناحية الأمان الشخصي، أو من خلال التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه التطورات، وتبرز الاهتمامات الجغرافية في هذه الأحداث، بمعنى أن الاهتمام يزيد مع الأحداث في نفس المحافظة ويأخذ بعدا تنازليا بالنسبة للمحافظات الأخرى.
ثانيًا: اهتمام الجمهور بالرموز الوطنية والمقاومة
يبرز اهتمام الجمهور الفلسطيني بالشخصيات الوطنية، خاصة المطاردين والشهداء والمعتقلين. عمليات الاغتيال والاعتقال التي تستهدف النشطاء، مثل محمود سناقرة وإبراهيم الشيخ، حظيت بمتابعة مكثفة، ليس فقط باعتبارها أخبارًا، ولكن لأنها تلامس الشعور الوطني وتعيد إحياء الرموز التي تشكل جزءًا من الهوية الفلسطينية المقاومة. هذا الاهتمام يعكس توق الفلسطينيين إلى القيادة الميدانية الفاعلة، خاصة في ظل الإحباط من أداء القيادة السياسية التقليدية.
ثالثًا: التفاعل مع قضايا القدس والمسجد الأقصى
القدس والمسجد الأقصى يظلان محورًا رئيسيًا في اهتمامات الجمهور الفلسطيني في شهر رمضان، حيث تثير اقتحامات المستوطنين وقرارات الإبعاد عن الأقصى ردود فعل. هذه القضايا تحمل بعدًا دينيًا يجعلها تحظى بزخم أكبر مقارنةً بغيرها من الملفات السياسية. الفلسطينيون يرون في الاعتداءات على الأقصى تهديدًا مباشرًا لهويتهم الوطنية والدينية، ولذلك يتصدر هذا الموضوع أولوياتهم السياسية خاصة في شهر رمضان.
رابعًا: الحساسية تجاه القضايا الداخلية والانقسام السياسي
يتفاعل الجمهور الفلسطيني مع القضايا الداخلية المتعلقة بالانقسام بين الفصائل، كما يظهر في الجدل حول تصريحات عثمان الخميس ضد حماس أو قرارات الرئيس محمود عباس بشأن المفصولين من حركة فتح. هذه القضايا تثير نقاشًا مجتمعيًا واسعًا، حيث يعكس التفاعل الشعبي حالة الاستقطاب السياسي بين التيارات المختلفة. الجمهور الفلسطيني لديه حساسية كبيرة تجاه أي مسألة تعزز الانقسام، حيث يدرك أن هذا التشتت يضعف الموقف الفلسطيني أمام الاحتلال.
خامسًا: الاهتمام بالمواقف الدولية والعربية من القضية الفلسطينية
على الرغم من أن الجمهور الفلسطيني يدرك محدودية التأثير العربي والدولي على مجريات الصراع، إلا أنه لا يزال يتابع عن كثب التطورات المتعلقة بالمواقف الإقليمية والدولية. يظهر ذلك في التفاعل مع القمة العربية الطارئة، وتصريحات القادة الدوليين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا الاهتمام يعكس تطلع الجمهور إلى أي دعم خارجي قد يساهم في تحسين الوضع الفلسطيني، لكنه أيضًا يعكس حالة الإحباط من غياب مواقف فعالة لدعم القضية.
سادسًا: التركيز على المعاناة الإنسانية وتأثير الاحتلال على الحياة اليومية
إلى جانب الاهتمام بالقضايا السياسية الكبرى، يُظهر الجمهور الفلسطيني حساسية عالية تجاه القضايا الإنسانية، مثل هدم المنازل، واستهداف المدنيين، ومعاناة الأسرى وعائلاتهم. هذه القضايا تحظى بانتشار واسع في وسائل الإعلام الفلسطينية، وتعكس شعور الفلسطينيين بأن الاحتلال لا يستهدف فقط النشطاء، بل يسعى إلى معاقبة المجتمع بأسره. هذا الاهتمام يعكس أيضًا طبيعة الصراع، حيث لم يعد يقتصر على المواجهات العسكرية، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية للفلسطينيين.
ضعف التفاعل
يعاني التفاعل مع بعض الموضوعات من ضعف عام، حيث لا يتم الاهتمام الكافي بعدد من القضايا والموضوعات المهمة مثل: موضوع مساعدات النازحين، وجرائم إطلاق النار على المواطنين، والاعتداءات على البدو في نابلس، ومنع الشبان من دخول الحرم الإبراهيمي. كما يلاحظ ضعف في التعاطي مع الاعتداءات المستمرة في طولكرم وجنين،واستهداف مياه جنين، وإشعال النيران في مخيم جنين، وخطة إعادة إعمار غزة، ويلاحظ ضعف التفاعل مع موضوعات معاملة الأسرى في سجن عوفر والاعتقالات المستمرة، واستشهاد الأسير علي البطش، بالإضافة إلى هدم المحال التجارية في مناطق مثل الرماضين ورافات. فيما أن اقتحامات المستوطنين في القدس، وقرارات الإبعاد عن الأقصى عانت من ضعف التفاعل قبل رمضان. هذا التراجع في التفاعل يعكس تحديات كبيرة في تعبئة الرأي العام وحشد الجهود الجماعية لمواجهة هذه القضايا المُلحّة.
أسباب ضعف التفاعل
يمكن تفسير هذا الضعف بعدة عوامل رئيسية، أبرزها:
- التكرار اليومي للانتهاكات: أدى تكرار أخبار الاحتلال إلى نوع من الإرهاق العاطفي، حيث أصبح الجمهور معتادًا على سماع أخبار القتل، والهدم، والاعتقالات، مما أدى إلى تطبيع هذه الأحداث والتعامل معها كجزء من الواقع اليومي.
- ضعف التغطية الإعلامية: بعض القضايا، مثل منع الشبان من دخول الحرم الإبراهيمي، لم تحظَ بتغطية إعلامية كافية، مما قلل من التفاعل الجماهيري.
- التركيز على القضايا المحلية المعيشية: يميل الجمهور إلى الاهتمام بالقضايا التي تؤثر على حياته اليومية بشكل مباشر، مثل أزمة الكهرباء أو ارتفاع الأسعار، على حساب القضايا السياسية والأمنية الأوسع.
- حالة الإحباط العام: تكرار الانتهاكات دون حلول ملموسة أدى إلى شعور عام بالعجز واليأس، مما انعكس على تراجع التفاعل مع القضايا السياسية والميدانية.
يتضح أن ضعف التفاعل مع القضايا الكبرى يعود إلى انشغال الجمهور بالهموم اليومية، حيث تغلب القضايا الاقتصادية والمعيشية على الاهتمام السياسي والأمني. كما أن الأزمات المستمرة، مثل استمرار الاحتلال والاستيطان، أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، مما أدى إلى نوع من الاعتياد وفقدان الأمل في حدوث تغيير ملموس.
الخاتمة
يكشف التحليل عن تنوع كبير في القضايا التي تشغل المجتمع الفلسطيني، حيث تتراوح بين الاجتماعية، والاقتصادية، والحقوقية، والدينية. تعكس هذه القضايا واقعًا معقدًا يتداخل فيه الاحتلال مع الحياة اليومية، مما يفرض تحديات مستمرة على الفلسطينيين. في ظل هذه الظروف، يبرز التكافل المجتمعي والمبادرات الخيرية كوسائل للتخفيف من الأزمات، في حين تبقى الحاجة إلى حلول طويلة الأمد تعالج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
يمكن القول إن اهتمامات الجمهور الفلسطيني السياسية تتشكل بناءً على ثلاثة محاور رئيسية: الأحداث الميدانية، القضايا الرمزية والوطنية، والملفات الداخلية والإقليمية. في ظل التصعيد المستمر، يتجه اهتمام الفلسطينيين إلى القضايا التي تمس حياتهم بشكل مباشر، مع استمرار التركيز على القدس والأقصى في شهر رمضان، والانتهاكات الإسرائيلية، والرموز الوطنية. في الوقت ذاته، هناك اهتمام متزايد بالقضايا الداخلية، ولكن غالبًا ما يكون ذلك من باب النقد للواقع السياسي والانقسام، وليس من منطلق الثقة بالقيادات القائمة.
يؤكد ضعف التفاعل مع بعض القضايا ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة لحشد الرأي العام وتفعيل الدور الشعبي في مواجهة الانتهاكات. ويتطلب ذلك تعزيز التغطية الإعلامية، وإيجاد آليات جديدة لرفع مستوى التفاعل، وتقديم القضايا بأساليب تثير اهتمام الجمهور بدلاً من الاكتفاء بنقل الأخبار التقليدية.
- القراءة اعتمدت على رصد اهتمامات الجمهور عبر المنصات الرقمية خلال أسبوع كامل.


