إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية
لتحميل التقرير هنا
مقدمة
تعكس اهتمامات الجمهور في المحافظات الفلسطينية طبيعة التحديات اليومية التي يواجهها المواطنون، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو سياسية أو أمنية. وتتفاوت هذه القضايا في درجة تأثيرها وانتشارها، حيث إن قضايا ذات تفاعل واسع تمتد عبر مختلف المناطق، وأخرى تظل محصورة ضمن نطاق جغرافي معين.
يهدف هذا التقرير إلى تحليل أبرز القضايا التي تشغل اهتمام الشارع الفلسطيني، واستعراض طبيعة التفاعل معها، والعوامل التي تؤثر في مدى انتشارها وتأثيرها.
اهتمامات الجمهور
تعكس القضايا التي تشغل اهتمام المواطنين في المحافظات الفلسطينية تحديات حياتية يومية متنوعة تشمل الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، والصحية. عند تحليل طبيعة هذه القضايا، نجد أن هناك قواسم مشتركة بين المحافظات، رغم وجود اختلافات تعكس خصوصية كل منطقة.
- القضايا الاقتصادية:
تحتل القضايا الاقتصادية حيزًا كبيرًا من اهتمام المواطنين، حيث برزت عدة قضايا مثل:
- غلاء المعيشة: الارتفاع المستمر في الأسعار وخاصة المواد الغذائية، مما يزيد من معاناة المواطنين.
- تزوير المنتجات الغذائية: ضبط سلع فاسدة أو منتهية الصلاحية، مما عكس تخوفات حول ضعف الرقابة على الأسواق وانتشار الفساد، فضلا عن توجهات أخرى من قبيل صرف اهتمام الناس عن قضايا أكثر أهمية.
- أجور العمال المتدنية: تم الإشارة إلى استغلال العمال في الضفة، وهو ما يسلط الضوء على قضايا العمل والعدالة الاقتصادية.
- القضايا الاجتماعية:
تتصدر القضايا الاجتماعية المشهد، وتعكس مدى ترابط المجتمع الفلسطيني وحساسيته تجاه الأزمات الاجتماعية، ومن أبرز الموضوعات التي حظيت باهتمام الناس:
- التعزي بالوفيات خاصة بعض الشخصيات المهمة وبارزة في المجتمعات المحلية والشباب مثل وفاة الشابة فاطمة أبو خليل، مما يخلق حالة من الحزن والتفاعل الواسع، ويلاحظ أن منشورات التعازي من أكثر المنشورات التي تحظى بتفاعل واهتمام الناس.
- حوادث السير: تتكرر في أكثر من محافظة مثل نابلس والخليل وسلفيت، مما يشير إلى مشاكل في البنية التحتية والالتزام بقواعد المرور، وفق تعليقات الجمهور.
- التضامن المجتمعي: من خلال مبادرات مجتمعية مثل حملات التبرع لبناء مستشفى النصر للأطفال في غزة، مما يعكس الحس الإنساني القوي لدى المواطنين.
- القضايا الدينية:
يحتل الجانب الديني مكانة بارزة في اهتمام الفلسطينيين، لا سيما في شهر رمضان المباشر، ويساهم في تشكيل المشهد العام، ومن أبرز القضايا:
- صلوات التراويح والجمعة في المسجد الأقصى: حيث تلاقي اهتمام الجمهور لا سيما المقدسي، وهو ما يعكس البعد الديني والوطني للقضية الفلسطينية.
- الفتاوى والتوجيهات الدينية: مثل فتوى حول تشبه الشباب بالنساء في الإعلانات، مما يبرز اهتمام الناس بالقضايا الدينية ذات الأبعاد الاجتماعية.
- حملات الحج والعمرة: افتتاح شركات جديدة للحج في بعض المناطق، مما يعكس الاهتمام المستمر بالفريضة الدينية رغم التحديات الاقتصادية، حيث يتزامن الاهتمام مع الإ‘لان عن المقبوليين للحج هذا الموسم، فضلا عن ازدياد اهتمام الناس في أداء العمرة في رمضان.
- القضايا الأمنية:
تشكل الأوضاع الأمنية غير المستقرة هاجسًا كبيرًا للمواطنين خاصة الفلتان الأمني، حيث تم رصد:
- الشجارات واستخدام الأسلحة: كما هو الحال في الخليل وجبل الخليل، مما يشير إلى تنامي ظاهرة العنف المجتمعي.
- حوادث الاعتقال اليومية مثل اعتقال الأسير المحرر خالد الفسفوس في جبل الخليل، مما يعكس التحديات الأمنية التي يواجهها الفلسطينيون تحت الاحتلال، ويلاحظ هنا أن الاهتمام بالاعتقال محلي وعلى مستوى ضيق وليس على مستوى المحافظات، حيث يتجه إلى ضعف التفاعل بالتوسع الجغرافي.
- تزوير المنتجات الغذائية: مثل ضبط مصنع لتزوير تواريخ المنتجات في نابلس، خاصة وأن الموضوع أخذ منحى في إبراز الأجهزة الأمنية ودورها في محابة الفساد.
يتضح وجود قواسم مشتركة بين المحافظاتفي الاهتماماتفي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والدينية، مما يشير إلى أن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون متشابهة إلى حد كبير، كما يلاحظ التركيز على القضايا الإنسانية سواء من خلال التفاعل مع حوادث الوفيات أو التبرعات أو المبادرات المجتمعية، ويظهر مدى حساسية المجتمع الفلسطيني تجاه القضايا الإنسانية.
كما يتنامى القلق من الأمن الغذائي وانتشار قضايا تزوير المنتجات الغذائية الذي يثير مخاوف حول جودة الغذاء وسلامة المواطنين، وتبرز التأثيرات الكبيرة للأوضاع الأمنية في تكرار حالات العنف واستخدام الأسلحة في الشجارات العائلية.
الاهتمامات السياسية
بناءً على تحليل اهتمامات الشارع الفلسطيني، يمكن تصنيف القضايا السياسية حسب الأولوية والأهمية، مع التركيز على القضايا المشتركة بين المحافظات:
- الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين وتشمل الاقتحامات العسكرية، والاعتقالات، واستهداف الشبان، والتنكيل بالأطفال. هذه القضايا تحظى بأكبر قدر من الغضب الشعبي بسبب تأثيرها المباشر على الحياة اليومية، ويلاحظ أن الاهتمام العام بها يتركز بصورة واضحة على الانتهاكات الخاصة بكل منطقة، بمعنى أن الحدث يحظى بتفاعل أهل المنطقة والمحافظة ويضعف التفاعل معه خارج المحافظة.
- الحصار على غزة واستئناف الحرب عليها، حيث تؤثر هذه القضية على الفلسطينيين في كل المناطق، وتعكس حجم المعاناة الإنسانية والخذلان الدولي والعربي في تعليقات الناس.
- انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي: هذه القضية تثير حساسية دينية وسياسية كبيرة، وتحظى باهتمام مشترك بين المحافظات خاصة في القدس والخليل.
- الاستيطان ومصادرة الأراضي: تتصدر المشهد في بعض المناطق التي تتعرض لهجمات استيطانية مثل سلفيت وجبل الخليل، لكنها تمتد إلى جميع المحافظات بوتيرة أقل، حيث يُنظر إليها على أنها محاولة لتغيير الواقع الديمغرافي وفرض الاحتلال بالقوة.
- الاعتقالات الإسرائيلية، خاصة للأسرى المحررين والأطفال، و تُعتبر قضية حساسة، لكنها تتركز وفق البعد الجغرافي وتضعف خارج جغرافيا الحدث.
- التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل: يثير جدلًا واسعًا بين الناس لا سيما في نابلس والخليل، حيث يُنظر إليه على أنه يُضعف المقاومة ضد الاحتلال.
- التضامن مع القضايا الإقليمية، خاصة العدوان الأمريكي-البريطاني على اليمن، ما يُعكس في مظاهر الغضب الشعبي في بعض المحافظات.
- الاحتجاجات على ممارسات المستوطنين مثل الاعتداءات في الخليل وسلفيت، ورفع الأعلام الإسرائيلية على الطرق، مما يُفسَّر كمحاولة لفرض أمر واقع استيطاني.
كما أن هناك بعض الموضوعات السياسية التي أثارت الجدل في الشارع الفلسطيني مع اهتمام متواضع بها، منها:
- زيارات الوفود الدرزية للجولان المحتل: حظيت باهتمام في بعض المناطق ولكنها ليست ذات انتشار واسع كالقضايا الأخرى.
- تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتطرفة، مثل تصريحات إيتمار بن غفير وسموتريتش، رغم أنها تحظى ببعض الاهتمام، إلا أن تأثيرها المباشر على الفلسطينيين أقل من قضايا الحصار والاستيطان، كون الشارع الفلسطيني اعتاد على مثل هذه التصريحات المتطرفة.
- مواقف المجتمع الدولي والبرلمان الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، حيث تأثيرها العملي محدود على الأرض.
يُركز الاهتمام السياسي في الشارع الفلسطيني بشكل أساسي على القضايا التي تمس الحياة اليومية بشكل مباشر، مثل الاعتداءات، والاعتقالات، والحرب على غزة، والاستيطان. بينما تحظى القضايا الدبلوماسية والسياسية الخارجية باهتمام أقل.
ضعف التفاعل
يلاحظ من خلال متابعة اهتمامات الناس أن بعض الموضوعات تصنف ضمن ضعف التفاعل، سواء على المستوى الفلسطيني العام أو على مستويات أخرى، ومن أبرز الموضوعات التي فيها ضعف في التفاعل على المستوى المشترك بين المحافظات:
- الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة
- هدم المنازل في مخيمات اللاجئين (جنين، طولكرم، نابلس)
- فرض القيود على دخول المسجد الأقصى واعتداءات المستوطنين.
- الاقتحامات اليومية للمناطق الفلسطينية والاعتقالات المتزايدة
- العمليات العسكرية المستمرة في شمال الضفة (جنين، نابلس، طولكرم)
يتضح أن ضعف التفاعل بسبب التشبع الإعلامي مع هذه الأحداث واعتياد الناس عليها، مع ضعف تناول وسائل الإعلام لها بقوالب أخرى غير خبرية.
- الأزمات الإنسانية
- المجاعة وقلة الغذاء في قطاع غزة، يبدو أنها باتت أقل حساسية بالنسبة للناس في الضفة نظرا لكون التحديات الاقتصادية بالنسبة لهم باتت تتشابه وإن بفارق كبير عن ظروف الحياة في غزة.
- الأسرى ومعاناتهم في السجون، مثل الإهمال الطبي في “مجيدو“
- التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي في مناطق مثل سلفيت والخليل في ضعف في التفاعل خارج إطار المحافظة التي فيها الحدث.
يتضح أن ضعف التفاعل بسبب التركيز على الأزمات المباشرة للناس فضلا عن المحلية منها.
- القضايا السياسية
- مظاهرات المستوطنين في تل أبيب وتأثيرها على الوضع الفلسطيني.
- تصريحات المسؤولين الدوليين حول الصراع وعدم تفاعل الجمهور معها.
- القوانين الإسرائيلية الجديدة التي تستهدف الفلسطينيين (مثل قانون العقوبات المشددة على المتسللين).
يلاحظ أن ضعف التفاعل بسبب ضعف الارتباط العاطفي بها وتصدر أولويات أخرى اهتمام الناس، فضلا عن تزاحم الأزمات التي تقلل من شأن أي أزمة إضافية.
أسباب ضعف التفاعل
- الإرهاق العاطفي والنفسي: فالتكرار المستمر للأحداث الأمنية والسياسية يجعل الجمهور أقل استجابة وتأثراً بها.
- التشبع الإعلامي: فكثرة التغطيات الإعلامية للأحداث نفسها دون تجديد المحتوى أو شكل المعالجة يقلل من اهتمام الجمهور بها.
- الانشغال بالقضايا اليومية: حيث تركيز المواطنين على مشاكلهم الحياتية مثل الأوضاع الاقتصادية والأمن الغذائي يقلل من تفاعلهم مع القضايا السياسية.
- ضعف الحملات الإعلامية التوعوية: فغياب أساليب التغطية الإبداعية مثل توثيق الانتهاكات عبر فيديوهات مؤثرة يقلل من وصول القضايا المهمة للناس.
- الشعور بالعجز والإحباط: فغياب التحركات الفعلية على الأرض قد يجعل المواطنين يشعرون بعدم جدوى التفاعل مع القضايا المطروحة.. عبر المنصات الرقمية.
الخاتمة
يتضح من خلال هذا التقرير أن القضايا التي تستحوذ على اهتمام الجمهور الفلسطيني تعكس واقع الحياة اليومية وتعقيداتها، حيث تحظى القضايا ذات التأثير المباشر على حياة المواطنين، مثل الأوضاع الاقتصادية والاعتداءات الإسرائيلية المباشرة والأزمات الاجتماعية، بتفاعل واسع، بينما تعاني بعض القضايا الأخرى من ضعف التفاعل نتيجة الإرهاق والتشبع الإعلامي والانشغال بالأزمات الحياتية. ومع استمرار الأوضاع الراهنة، يظل الاهتمام العام مرهونًا بطبيعة الأحداث وتأثيرها المباشر على المواطنين، مما يستدعي تطوير استراتيجيات إعلامية أكثر ابتكارًا لتعزيز وعي الجمهور وتحفيز تفاعله مع مختلف القضايا.
- اعتمدت القراءة على رصد اهتمامات الجمهور عبر المنصات الرقمية خلال أسبوع كامل، في عدد من المحافظات الفلسطينية كعينة وهي: نابلس ورام الله والقدس والخليل وسلفيت وجبل الخليل، بحيث تمثل محافظات من الوسط والشمال والجنوب، كما اعتمدت على متابعة ورصد يومي لاهتمامات الناس وتفاعلاتهم .


