دلالات فيديو الأسيرين الإسرائيليين الذي نشرته المقاومة الفلسطينية ومشهد الرأي العام الإسرائيلي

إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية

لتحميل التقرير هنا

مقدمة

في اليوم الثامن من استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نشرت كتائب القسام مقطع فيديو يظهر فيه أسيران إسرائيليان يناشدان زملاءهم الذين تم إطلاق سراحهم سابقًا بكسر الصمت، والتحدث عن معاناة الأسرى المحتجزين في غزة. يمثل هذا الفيديو خطوة محسوبة من كتائب القسام، تهدف إلى التأثير في الرأي العام الإسرائيلي الذي أصبح أكثر انقسامًا بشأن استمرار الحرب.

 

تحليل مضمون الفيديو

إن الوقوف على مضمون الفيديو المنشور يتضمن عددا من الأمور الأساسية أبرزها:

  1. رسالة مباشرة للرأي العام الإسرائيلي
    • يظهر الأسيران في حالة إنسانية متأثرة، حيث يعبران عن معاناتهما، مما يضفي طابعًا إنسانيًا على القضية.
    • يشير أحد الأسرى إلى زميله السابق أوهاد، مطالبًا إياه بالتحدث عن التجربة التي مروا بها معًا، وهو ما قد يضع ضغطًا نفسيًا على الأسرى السابقين للإدلاء بشهاداتهم.
    • يسلط الأسير الثاني الضوء على توفير مقاتلي حماس لاحتياجاتهم خلال وقف إطلاق النار، لكن استئناف الضربات الجوية الإسرائيلية جعلهم في وضع صعب، مما يخلق مقارنة بين “رحمة” حماس و”قسوة” الحكومة الإسرائيلية.
  2. التشكيك في نوايا الحكومة الإسرائيلية
  • انتقاد الحكومة الإسرائيلية التي تدعي أنها تعمل على إعادة الأسرى المحتجزين، بينما يتعرضون لمزيد من المخاطر بسبب القصف.
  • التأكيد على أن الفيديو ليس جزءًا من حرب نفسية، بل هو رسالة حقيقية إلى المجتمع الإسرائيلي وفي ذلك استباقا لتوقع رد بنيامين نتنياهو الذي أتبع نشر الفيديو بتصريح يحمل ذات السياق المتوقع لرده.
  1. التوقيت ودلالاته
    • يأتي الفيديو في وقت تشهد فيه دولة الاحتلال انقسامات داخلية حادة، حيث بدأ الرأي العام الإسرائيلي في الانقلاب على الحرب، مع ارتفاع الأصوات المطالبة بوقفها مقابل إطلاق سراح الأسرى، وبرزت تصريحات مسؤليين منسجمين مع هذا التوجه منهم رئيس الكيان إسحاق هيرتسوغ الذي قال: “أشعر بالصدمة لأن قصة الأسرى ليست على رأس جدول الأعمال. يجب أن ننتبه باستمرار للعائلات التي تمر بجحيم لا يُصدق”، وتهديد عضو الكنيست رام بن باراك من حزب “يش عتيد” الحكومة خلال مناقشة الميزانية، قائلاً: “إذا لم تجرؤوا على الامتثال لأمر المحكمة العليا، فسوف أدعو جميع المواطنين الإسرائيليين إلى عصيان القانون”. وأضاف “لا يوجد شيء اسمه أن الحكومة فوق القانون، القانون متساو للجميع.
    • يتزامن مع تجدد الضربات الإسرائيلية المكثفة على غزة، ما يجعل المشاهد الإسرائيلي يفكر في مدى فاعلية هذا النهج في تحقيق الأهداف المرجوة.

 

كيف لعبت المقاومة على وتر الرأي العام الإسرائيلي؟

  1. استغلال مشاعر القلق والخوف لدى الإسرائيليين

أظهر الفيديو الأسيرين الإسرائيليين في موقف ضعف ومعاناة، وهو ما يعكس صورة الأسرى الـ 59 المتبقين في غزة، مما يعزز المخاوف بشأن مصيرهم. وجاء ذلك بعد سلسلة صور صادمة للأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في صفقات التبادل، والذين بدوا في حالة صحية سيئة، مما عزز القلق في المجتمع الإسرائيلي.

  1. تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي

لم يعد الرأي العام الإسرائيلي موحدًا حول الحرب، بل تعمق الانقسام بين من يريد القضاء على حماس ومن يطالب بإيقاف الحرب لحماية الأسرى، حيث كشف استطلاع للرأي أجراه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” في 9 مارس أن 73% من الإسرائيليين يؤيدون التفاوض مع حماس لإنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح الأسرى، بما في ذلك 56% من الإسرائيليين ذوي التوجهات اليمينية، وكذلك 62% من ناخبي حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا لنتنياهو.

  1. إضعاف ثقة الإسرائيليين بقيادتهم السياسية

يضعف الفيديو صورة نتنياهو وحكومته، إذ يظهر أنهم فشلوا في استعادة الأسرى، وأنهم مستعدون للتضحية بهم في سبيل أهداف عسكرية وسياسية أخرى، وهو ما كشفه تصريح نتنياهو البائس من الفيديو، كما يساهم في تعزيز الاحتجاجات داخل الكيان، حيث شهدت المدن الكبرى مظاهرات تطالب الحكومة بالتوصل إلى اتفاق جديد للإفراج عن الأسرى.

 

انعكاسات الفيديو على السياسة الإسرائيلية

  1. ضغط متزايد على نتنياهو

نشر الفيديو يضع نتنياهو مجبرا على تقديم تبريرات أقوى لقراره باستئناف الحرب، وسط ارتفاع المطالب الشعبية بالتفاوض مع حماس، كما أنه يزيد من الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث يمكن أن يدعو بعض المسؤولين الأمنيين إلى وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى، بينما يسعى نتنياهو لإبعادهم من مناصبهم. وقد شكل الفيديو ضغطا حقيقيا على نتنياهو الذي اضطر على خلاف الفيديوهات السابقة إلى التعقيب عليه.

  1. تأثيره على المؤسسة العسكرية

يمكن أن يولد الفيديو حالة من الإحباط في صفوف الجيش، خاصة بين جنود الاحتياط، الذين بدأوا يشككون في جدوى استمرار العمليات العسكرية دون التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى، كما يضعف الدافع القتالي لدى القوات، وقد صرح الجنرال الإسرائيلي السابق عاموس يدلين بأن “الإسرائيليين يريدون تدمير حماس، لكنهم يريدون إطلاق سراح الأسرى أولًا”، وهو ما قد يؤثر على سير العمليات الميدانية.

  1. تعقيد الموقف التفاوضي الإسرائيلي

يمنح الفيديو حماس ورقة ضغط إضافية في أي مفاوضات مستقبلية، حيث يمكنها استغلاله لإثارة المزيد من الانقسامات داخل إسرائيل، كما يدفع نحو تغيير الأولويات التفاوضية، حيث ستضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في موقفها من استمرار الحرب، خاصة إذا تزايدت الضغوط الداخلية.

 

الخاتمة

يعد هذا الفيديو واحدًا من الأساليب الإعلامية الأكثر تأثيرًا التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية في حربها النفسية ضد الاحتلال، حيث نجح في استغلال التصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتعزيز الضغوط على الحكومة، وإعادة تسليط الضوء على قضية الأسرى في غزة. مع استمرار الحرب، ما يعطي مؤشرا لضرورة الاستفادة من الأساليب الإعلامية في ملعب الخصم لضمان التأثير بشكل متزايد على ديناميكيات الصراع والقرارات السياسية داخل دولة الاحتلال.