قراءة في اهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية 27-03-2025

إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية

لتحميل التقرير هنا

مقدمة

تلعب اهتمامات الجمهور دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام الفلسطيني، حيث تعكس طبيعة القضايا التي تشغل الأفراد وتؤثر على حياتهم اليومية. ومع تطور الإعلام الرقمي، أصبحت المنصات الإلكترونية ساحة رئيسية للتفاعل والتعبير عن المواقف المختلفة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أو سياسية.

يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أبرز القضايا التي تثير اهتمام الجمهور الفلسطيني، وتحليل التفاوت في مستوى التفاعل معها، بالإضافة إلى استكشاف العوامل المؤثرة في هذا التفاعل، سواء الإيجابية منها أو التي أدت إلى تراجع الزخم الشعبي تجاه بعض القضايا الوطنية المهمة.

 

اهتمامات الجمهور

تعكس اهتمامات الجمهور الفلسطيني قضايا يومية تتنوع بين الاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والأمنية عبر المنصات الرقمية. ويُظهر تحليل هذه القضايا مدى تأثير الأحداث المحلية والإقليمية على وعي الأفراد وتفاعلهم عبر الفضاء الرقمي.

كما يتكرر الاهتمام في بعض القضايا قضايا في جميع المحافظات، حيث تتصدر القضايا الاجتماعية والاقتصادية اهتمامات الجمهور، يليها القضايا الدينية، والحقوقية، ثم الأمنية. ويُلاحظ أن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية مثل التعازي بالوفيات والتفاعل مع المناسبات الدينية يُعدّ من أبرز سمات المجتمع الفلسطيني، ما يعكس تماسكه وتضامنه. ومن هذه القضايا التي أثارت اهتمام الناس:

  • القضايا الاجتماعية: مثل حالات الوفاة والتعازي، والتكافل الاجتماعي، والمناسبات الدينية والاجتماعية.
  • القضايا الدينية: مثل إحياء العشر الأواخر من رمضان، وصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وزكاة الفطر، وتحري هلال العيد. حيث تحظى القضايا الدينية والروحية بتفاعل كبير، لا سيما تلك المرتبطة بشهر رمضان والأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى.
  • القضايا الاقتصادية: مثل ارتفاع تكاليف الحج، وتأخر صرف الرواتب، والغلاء المعيشي، والتحديات التي يواجهها العمال الفلسطينيون. وتُثير القضايا الاقتصادية حالة من السخط، خصوصًا فيما يتعلق بتأخر الرواتب، غلاء المعيشة، وتراجع الحركة التجارية.
  • القضايا الحقوقية: مثل الاعتقالات اليومية التي حظيت باهتمام على مستوى المحافظات، فضلا عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وهدم المنازل، والاعتداءات على الأسرى.
  • القضايا الأمنية: مثل الشجارات العائلية، وإطلاق النار، وملاحقة العمال الفلسطينيين، والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية. وتُبرز القضايا الحقوقية والأمنية التوترات السياسية، حيث يتفاعل الجمهور مع الاعتقالات، انتهاكات الاحتلال، ومصادرة الأراضي.
  • القضايا الثقافية: مثل الحديث عن النباتات المحلية، والمناقشات المجتمعية حول العادات والتقاليد.
  • القضايا الخدمية مثل الموضوعات المتعلقة بالبنية التحتية والخدمات. وتؤثر القضايا الخدمية والبنية التحتية على الحياة اليومية، مما يدفع الناس للمطالبة بتحسين الخدمات.

يلعب الإعلام الرقمي دورًا رئيسيًا في تسليط الضوء على القضايا التي تهم الناس، حيث تتصدر بعض القضايا قائمة الاهتمامات بسبب انتشارها الواسع عبر المنصات الرقمية. كما أن النقاشات حول قضايا الفساد الإداري، والبطالة، وارتفاع الأسعار تعكس ازدياد وعي الجمهور تجاه هذه المشكلات.

يشار إلى أن هناك قضايا محلية تخص كل محافظة، ولكن القضايا العامة مثل الوضع الاقتصادي، الاعتداءات الإسرائيلية، والمناسبات الدينية تُعدّ قواسم مشتركة بين الجميع.

كما أن التفاعل مع القضايا يتأثر بالسياق الزمني، فمثلاً يزداد التركيز على القضايا الدينية خلال شهر رمضان، بينما تبرز القضايا الاقتصادية قبل الأعياد بسبب الأوضاع المعيشية.

 

الاهتمامات السياسية

تتنوع الاهتمامات السياسية لدى الجمهور الفلسطيني بين التركيز على المقاومة، ورفض الاحتلال، وانتقاد السلطة الفلسطينية، والتفاعل مع المشهد الإقليمي والدولي. ومن أبرز الموضوعات السياسية التي حظيت باهتمام عبر المنصات الرقمية ما يلي:

  • المقاومة الفلسطينية واليمنية: يظهر دعم واضح للعمليات العسكرية التي تستهدف الاحتلال، سواء من المقاومة الفلسطينية أو اليمنية، حيث يتم تداول أخبار إطلاق الصواريخ والتعبير عن الفخر بها، مما يعكس ارتباطًا وجدانيًا وشعبيًا بالمقاومة المسلحة.
  • العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة: يتجلى الاهتمام الكبير بالغارات الإسرائيلية والقصف على غزة، حيث عبر الناس عن مشاعر الغضب والحزن تجاه المجازر بعد استئناف الحرب. كما تبرز موضوعات الاقتحامات العسكرية في الضفة، خاصة في طولكرم، نابلس، وجنين، وما يرافقها من نزوح واعتقالات.
  • الأسرى الفلسطينيون: تحظى قضايا الأسرى والمعتقلين بأهمية متغيرة ومحددة في اتجاهات بعينها، تتركز في اعتقال الأطفال أو المعتقلين منهم، كما أن رصد تعاطفا مع مدير د. حساب أو صفية الأسير لدى الاحتلال وهو مدير مستشفى كمال عدوان بغزة،  كما يظهر التعاطف مع عمليات الإفراج عن بعض الأسرى على مستوى محلي في المحافظة.
  • انتقادات السلطة الفلسطينية وتراجع الثقة بها: حيث يظهر استياء عام من أداء السلطة الفلسطينية، خصوصًا في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية، مما يعكس تراجع الثقة بقدرتها على تمثيل المصالح الوطنية.
  • البعد الإقليمي والدولي والتفاعل مع الدعم اليمني للمقاومة: يتم استقبال العمليات الصاروخية اليمنية ضد الاحتلال بتأييد واسع، حيث تعتبر إضافة إلى ميزان القوى ضد إسرائيل. في ذات الوقت يبرز انتقاد الصمت العربي والدولي، والاستياء من تخاذل المجتمع الدولي عن التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي، وغياب موقف عربي حازم لدعم القضية الفلسطينية.

تتنوع المشاعر المشتركة بين المحافظات بين الغضب تجاه الجرائم الإسرائيلية، والفخر بعمليات المقاومة،والإحباط من عدم وجود تدخل دولي، والقلق من استمرار سياسات التهجير والاعتقالات.

تركزت  الاهتمامات السياسية وفق المناطق الجغرافية في موضوعات مختلفة، حيث تركزت اهتمامات محافظة نابلس حول العدوان الإسرائيلي، والعمليات العسكرية، ودعم المقاومة الفلسطينية واليمنية. وفي الخليل وجبل الخليل هناك اهتمام بانتهاكات المستوطنين، وعمليات الاقتحام، مع تفاعل خاص مع قضايا المعتقلين. وفي رام الله كان تسليط الضوء على الأداء الحكومي، وانتقاد السلطة الفلسطينية، والتفاعل مع العمليات الفدائية. وفي سلفيت كان هناك اهتماما بالاقتحامات الإسرائيلية ودعم المقاومة المسلحة.

يكشف التحليل عن اهتمام سياسي مرتفع بين الجمهور الفلسطيني، يتمحور حول دعم المقاومة، رفض الاحتلال، انتقاد السلطة الفلسطينية، ومتابعة المشهد الإقليمي والدولي. هذه الاهتمامات تعكس وعيًا سياسيًا متزايدًا، مدفوعًا بالظروف الميدانية والتغيرات في ميزان القوى.

 

ضعف التفاعل

بالرغم من الاهتمامات السياسية التي أولاها الجمهور لبعض الموضوعات ، إلا أن بعض الموضوعات الحيوية على المستوى الوطني لم تحظَ بتفاعل كبير رغم أهميتها. ومن أبرز هذه الموضوعات:

الاعتداءات اليومية للاحتلال مثل هدم المنازل، وتجريف الأراضي، واعتداءات المستوطنين على المزارعين، والتي أصبحت “جزءًا من الروتين اليومي”، مما أدى إلى تراجع التفاعل معها نتيجة الاعتياد، وهنا تجدر الإشارة إلى الاهتمام في مثل هذه الأحداث يبقى محصورا في الدائرة الجغرافية الضيقة التي تحدث فيها.

فيديو الأسرى الإسرائيليين الذي بثته المقاومة لم يحظَ بتفاعل واسع، ربما بسبب تشبع الجمهور بالأخبار المشابهة، أو أن الهدف من نشر مثل هذا التسجيل هو الجمهور الإسرائيلي وليس الفلسطيني والذي تفاعل بشكل كبير وكانت ارتدادات التسجيل قد ظهرت في تصريحات وخلافات المسؤليين الإسرائيليين.

استمرار العدوان على غزة والضفة الغربية، فبالرغم من القصف المستمر وما يخلفه من شهداء وجرحى وما يجري في مخيمات شمال الضفة، إلا أن التفاعل المشترك بين المحافظات تدرج من الاهتمام إلى الضعف، ربما بسبب التكرار والاعتياد.

التوسع الاستيطاني وتشديد العقوبات على العمال الفلسطينيين، حيث يُلاحظ ضعف التفاعل مع التمدد الاستيطاني أو القيود المفروضة على العمال، رغم تأثيرها المباشر على الفلسطينيين، وهو ما يُفسَّر بالشعور بالإحباط والاعتياد على هذه الإجراءات.

مبادرات وقف إطلاق النار في غزة، رغم تأثير هذه المبادرات على الحياة اليومية للفلسطينيين، لم يكن هناك تفاعل واسع معها، وهو ما قد يكون نتيجة تشتت الاهتمامات المحلية أو ضعف الزخم الإعلامي.

أسباب ضعف التفاعل

  1. التشبع الإخباري والاعتياد على الأحداث، فقد أدى التكرار المستمر للانتهاكات الإسرائيلية إلى فقدان الجمهور للحساسية تجاهها، مما جعل بعض القضايا تفقد تأثيرها الإعلامي والشعبي مع مرور الوقت.
  2. الإرهاق النفسي والإحباط العام، فالفلسطينيون يعيشون تحت ضغط دائم نتيجة استمرار الاحتلال والانتهاكات دون أي تغيير ملموس، مما يولد لديهم شعورًا بالإحباط والعجز عن إحداث تأثير فعلي، وبالتالي يقل التفاعل مع القضايا السياسية والحقوقية.
  3. ضعف التغطية الإعلامية والتكتم الأمني، فبعض الموضوعات لم تحظَ بتغطية كافية، إما بسبب ضعف اهتمام وسائل الإعلام بها أو بسبب قيود أمنية تمنع تداولها بشكل واسع، مثل عمليات المقاومة أو الاعتقالات السياسية، فضلا عن التغطية الخبرية لوسائل الإعلام وعدم معالجة الأحداث بصيغ أخرى قادرة على التأثير.
  4. التركيز على القضايا المعيشية اليومية، حيث أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى تركيز الجمهور على القضايا الحياتية الأكثر إلحاحًا، مما جعل القضايا السياسية والأمنية تبدو أقل أولوية بالنسبة للكثيرين.
  5. غياب المبادرات الجماعية، فلم تكن هناك حملات منظمة أو مبادرات توحد المحافظات الفلسطينية في مواجهة القضايا المشتركة، مما جعل التفاعل محدودًا ومحليًا بدلًا من أن يكون وطنيًا عامًا.
  6. القبضة الأمنية والخوف من الملاحقة؛ ففي بعض المناطق مثل القدس، كان هناك تردد في التفاعل مع قضايا سياسية معينة بسبب الخوف من الاعتقالات أو العقوبات التي تفرضها سلطات الاحتلال.

يتضح أن ضعف التفاعل مع القضايا الوطنية يعود إلى مجموعة من العوامل، أبرزها التشبع الإخباري، والإرهاق النفسي، وضعف التغطية الإعلامية، والتركيز على القضايا المعيشية، وغياب المبادرات الجماعية، والخوف من الملاحقة الأمنية. هذه العوامل أدت إلى حالة من “اللامبالاة القسرية”، حيث باتت بعض القضايا تمر دون اهتمام شعبي رغم خطورتها.

 

الخاتمة

يعكس تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني ديناميكية المشهد العام، حيث تتراوح التفاعلات بين الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وبين الانخراط في الشأن السياسي والأمني. ورغم الوعي المتزايد والتفاعل الملحوظ مع العديد من القضايا، إلا أن هناك تحديات تحول دون استدامة الزخم التفاعلي، مثل التشبع الإخباري والإرهاق النفسي والانشغال بالهموم المعيشية. إن معالجة هذه العوامل تتطلب استراتيجيات إعلامية فعالة، وحملات توعوية تعزز التفاعل الجماهيري، وتسلط الضوء على القضايا الوطنية بروح جماعية، لضمان بقاء القضايا المصيرية في صدارة الاهتمامات الشعبية.

يوصي التقرير الإعلام الفلسطيني بتعزيز الخطاب الإعلامي القائم على تحليل القضايا بدلاً من مجرد نقل الأخبار، فضلا عن دعم الحملات الرقمية التي تعزز القضايا الحقوقية والمجتمعية.

 

  • اعتمدت القراءة على رصد اهتمامات الجمهور عبر المنصات الرقمية خلال أسبوع كامل، في عدد من المحافظات الفلسطينية كعينة وهي: نابلس ورام الله والقدس والخليل وسلفيت وجبل الخليل، بحيث تمثل محافظات من الوسط والشمال والجنوب، كما اعتمدت على متابعة ورصد يومي لاهتمامات الناس وتفاعلاتهم .