قراءة في تفاعلات الناس حول مظاهر الاحتفال بافتتاح “آيكون مول ” في رام الله في ظل حرب الإبادة والتهجير في غزة وشمال الضفة الغربية

إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية

لتحميل التقرير هنا

مقدمة

في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حيث تشتد وطأة الحرب على غزة وتتصاعد الانتهاكات في الضفة الغربية خاصة في شمالها، يأتي افتتاح “آيكون مول” في رام الله ليثير جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي. فقد تحول الحدث من حدث اقتصادي إلى قضية رأي عام، تكشف عن انقسامات عميقة في المشهد الاجتماعي والسياسي الفلسطيني.

بين اتهامات بالخيانة، وسخرية من “دولة رام الله الموازية”، ودعوات للمقاطعة، تعكس التعليقات المتنوعة مواقف الشارع الفلسطيني من الحدث، وتبرز أزمات مركبة تتعلق بالتماسك الوطني، والمؤسسات السياسية والاقتصادية، ومفهوم التضامن بين أجزاء الوطن المجروح.

يقدّم هذا التقرير قراءة تحليلية لتلك التعليقات، عبر تتبع اتجاهاتها الرئيسة، وتأويل ما تكشفه الهوية الجماعية، والانقسام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

 

اتجاهات الناس من الحدث

يتجه الناس في محافظات الغربية في التعبير عن مواقفهم عبر المنصات الرقمية من مظاهر الاحتفال في افتتاح “مول آيكون مول” في رام الله إلى الاتجاهات التالية:

  • التوجهات الغاضبة (الغالبية):

ويندرج تحتها عدة اتجاهات عبرت عنها التعليقات الغاضبة، منها:

  • التركيز على التناقض بين الاحتفال في رام الله والمعاناة في غزة: مثال: غزة بتموت وأنتم بتحتفلوا، الوطنية ليست رقصًا على جراح الوطن. كما يُنظر إلى الحدث كـ”انفصال” عن الواقع الفلسطيني، خاصة مع وجود شهداء ومجازر في غزة.
  • نفي البعد الوطني عن رام الله، فتتكرر عبارات تشكك في هوية رام الله الوطنية، وتحيلها إلى نموذج “غريب” عن فلسطين، مثل: “رام الله مش محسوبه من فلسطين”، ورام الله تل أبيب 2″، و”رام الله مدينة أمريكية مش فلسطينية”. وتحمل دلالة رام الله تعبيرا مجازيا عن السلطة الفلسطينية الحاكمة والفئات الاقتصادية التابعة لها.

كما عبر البعض بانتقاد “دولة رام الله: يُوصف المشاركون بالعيش في “عالم موازٍ” أو “كوكب آخر”، مع اتهامات بالانفصال عن هموم الشعب. مثال: رام الله دولة مستقلة عن فلسطين، عالم بهناهم وعالم بعزاهم.

  • اتهامات بالخيانة، حيث يتم اتهام المشاركين في الافتتاح بالعمالة والخذلان، واستخدام مصطلحات مثل “عملاء الشيكل”، “الحركية”، و”المنحرفين”.
  • دعوات للمقاطعة، ومثال ذلكلن أدخله ولن يدخله أبنائي ما حييت. و”إن شاء الله بنمسح المول بالأرض”، “مقاطعة آيكون مول واجب ديني”، “تفووو عليهم ما بستحوا”.

انتقد الجمهور عدم جدوى الافتتاح لأن المول يعمل منذ أكثر من عام، ودعوا إلى مقاطعته ومقاطعة مشاريع أخرى تابعة لنفس الإدارة، مع استخدام هاشتاغات مثل #أنا_مقاطع_ايكون_مول و #قاطع_ايكون_مول.

  • الغضب والدعاء: يتضح من غالبية التعليقات أن الخطاب العاطفي الديني هو المهيمن. وتتكرر عبارات مثل: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وخذل الله من خذلكم، وهذا يعكس حالة غضب شعبي مغمور بالحزن.
  • الخذلان والتمزق الداخلي، حيث يتكرر تعبير أن من حضر الافتتاح “خان أو خذل” غزة، وبرزت تعبيرات تعبر عن الخذلان منها: “فرحانين وإحنا بنموت”، “أهل غزة يُبادوا وإنتو بترقصوا” “اللي حضروا حثالة المجتمع”. وهنا يتجلى تحول الغضب من العدو إلى الداخل، مما يعكس حجم الغضب من  مشهد “اللا مبالاة” الظاهر في مظاهر الترف مقابل مظاهر التهجير والقتل في أماكن أخرى من الوطن.
  • الانقسام الطبقي والمناطقي، حيث تظهر تعليقات تسخر من “الطبقة الثرية”، وانفصالها عن الواقع الفلسطيني المعاش، ومن الأمثلة على التعليقات بهذا الصدد،  “عاملين اكم درجة بضوين”، “ساكنين بأوروبا”، “شعب بدو طحن”. تفضح هذه العبارات الاستقطاب الطبقي داخل المجتمع الفلسطيني، حيث يُنظر إلى رام الله كرمز للسلطة والترف، مقابل رمزية المقاومة والمعاناة في جنين وطولكرم وغزة.
  • التعليقات الساخرة أو التهكمية

يتجلى في التعليقات التعبيرات الساخرة التي تعد أسلوبا ينفس فيه الفلسطيني عن همومه، ومن أبرز ما ورد في هذا السياق:

  • التركيز على فكرة “عدم الدعوة” للحدث، فاستخدمت بعض التعليقات تعبيرات مثل:  : شكله مش معزوم، زعلان لإنه ما انعزم. في تعليق على مهاجمة محمود الهباش للحفل، وهي في دلالتها اتهام المعلقين بسخرية بأن غضبه ناتج عن “عدم دعوته” للاحتفال، حيث إنها تُقلل من قيمة الانتقادات وتصورها كحقد شخصي، في المقابل فإن السخرية من الاحتفال أخذت بعدا تهكميا وهي عادة الفلسطينين في التعامل مع الموضوعات السياسية للسخرية من القائمين على الاحتفال.
  •  السخرية مما وصل إليه الواقع الفلسطيني، حيث يعبر بعض المعلقين إلى أن رام الله تعيش حياة طبيعية رغم الحرب، ساخرين مما وصلت إليه الأمور.

ج. التعليقات الداعمة (قليلة):

تركز هذه التعليقات في معرض دفاعها عن الحدث بتمجيد التطور العمراني مثال: ما شاء الله… كل بلادنا عمار وتطور. وهذه التعليقات نادرة وتُقابل بهجوم شديد من الآخرين.

 

أبعاد مكونات توجهات الجمهور  :

  1. خطاب الإدانة الأخلاقية والانفعالية

يهيمن خطاب أخلاقي مشحون بالعاطفة، يفرز الناس بين “الوطني الشريف” و”الخائن اللامبالي”، ومن العبارات المنتشرة: “حذاء أصغر طفل في غزة أشرف منكم جميعاً”، و”إن شاء الله النار اللي دبت بأمريكا تدب فيكم”. ويعكس هذا الخطاب أزمة ثقة عميقة داخل المجتمع الفلسطيني بالطبقات المنفصلة عن واقعه وفق تعبير المعلقيين، ويعبر عن ألم متراكم يتجاوز الواقعة نفسها.

  1. استدعاء الذاكرة الوطنية

تم استحضار صور من الانتفاضة الأولى لتأكيد تغير القيم،  ومن الأمثلة :”في عز الانتفاضة الأولى، تزوج والدي… الشهيد يُسكِت الفرح احترامًا”، حيث تُستخدم الذاكرة هنا كنقطة مرجعية لما كان يجب أن يكون عليه الوعي الجمعي، وهو العرف الدارج في الشارعا الفلسطيني وأحد أسمى أوجه التضامن، حتى في حالات الوفاة العادية التي تؤجل فيها الأفراج عندما نلتقي بالأحزان.

  1. التوتر المناطقي والطبقي تجاه رام الله

يلاحظ أن الهجوم أخذ بعدا مركزا استهدف رام الله، حيث إنها مركزًا للنخبة الاقتصادية والسلطة السياسية، مما يعزز السردية الانقسامية بين “من يحتفل” و”من يُباد”. ومن العبارات: رام الله من يومها هدا لونها”. وقد لوحظ تراجعا واضحا في التفاعل مع الحدث على مستوى رام الله مقارنة بباقي المحافظات، حيث أن الحدث وضع الناس في حرج من فعل لا يروق لهم لكنهم لا يستطيعون منعه.

  1. البعد الديني والقرآني

كان البعد الديني حاضرا بقوة في تعليقات الناس سواء بعبارات دينية أو في استخدام آيات قرآنية وأحاديث نبوية لتأطير الحدث ضمن منطق العقاب والبعد الديني، ومن الأمثلة على ذلك: “فحق عليهم العذاب”، “إذ تبرأ الذين اتُّبعوا”…

كما تم توظيف أبعاد دينية أخرى مثل أحاديث نبوية عن الرباط، وخطاب تعبوي عن الشهداء والجنة، ما يعكس حضور الوعي الديني القيمي كإطار لفهم الأحداث وتقييمها، خصوصًا في المناطق الأكثر تضررًا كجنين وطولكرم.

  1. السخرية السوداء والوعي الاقتصادي

“كانت السخرية حا ضرة من زاوية أخرى متخصصة ذات نظرة واعية، من الأمثلة عليها: نفسي أتعرف على الخبير الاقتصادي اللي عمل الجدوى”، “طيب امتى بدهم يعملوا حفل افتتاح لـ900 بوابة؟”
وتنمّ هذه التعليقات عن وعي عميق باللامنطق الاقتصادي الذي يحكم قرارات السلطة والمستثمرين، في ظل واقع اقتصادي واجتماعي منهك.

 

يلاحظ من خلال متابعة تفاعلات الجمهور مع افتتاح المول الجديد أنه على الرغم من الجدل الذي أثارته القضية، إلا أنها لم تتصدر مشهد الاهتمام في الرأي العام في محافظات الضفة على الرغم من كونها قضية مشتركة في الاهتمام، فيما كانت قضية ليست محل اهتمام في بعض محافظات الضفة مثل طولكرم، وعلى العموم، كانت تفاعلات الناس في الضفة مع ما يحدث في غزة من مجازر أكثر حضورا.

كما لوحظ تجنب الصفحات الرسمية (مثل محافظة رام الله والمحافظ ليلى أبو غنام وصفحة المول نفسها) نشر أي أخبار أو صور عن الافتتاح رغم حضور شخصيات رسمية، قد يعزى إلى الخوف من ردود الفعل الجماهيرية أو إحراجًا من مظاهر الرقص والغناء.

 

خاتمة

يعكس الجدل حول افتتاح “آيكون مول” أكثر من مجرد انقسام حول حدث اقتصادي، بل يُظهر بجلاء الأزمة العميقة في الوعي الجمعي الفلسطيني، وهو انكشاف فجّ للتمايزات الطبقية السياسية والاقتصادية، فقد تحوّل حدث اقتصادي إلى مرآة تعكس انقسامًا اجتماعيًا عميقًا، وشعورًا عامًا بالخذلان من ممارسات تُرى كدليل على انفصال بعض النخب عن واقع شعب يرزح تحت الاحتلال والحرب والتهجير.

أظهرت التفاعلات على المنصات الرقمية أن الفلسطينيين – في لحظات الألم الجماعي – ما زالوا يعتبرون التضامن قيمة معيارية أساسية، وأن أي مظهر من مظاهر الاحتفال في ظل المجازر يُعد خرقًا أخلاقيًا يستوجب الإدانة. كما برز دور الذاكرة الوطنية، والوعي الديني، والسخرية السوداء، كأدوات تعبير عن الغضب والأمل والاحتجاج في آنٍ واحد.

 

إن هذا الحدث يعيد طرح أسئلة عميقة حول الهوية الوطنية، وأدوار السلطة والنخب، وحدود المقبول اجتماعيًا في لحظات الكارثة. ويشير إلى ضرورة مراجعة العلاقة بين السلطة والمجتمع، ومراعاة السياق الوطني والإنساني في صناعة القرار العام، لا سيما في أوقات الجرح المفتوح.

 

  • اعتمدت القراءة التحليلية على رصد تفاعلات الجمهور عبر المنصات الرقمية حول القضية، معتمدة على تعليقاتهم على المنشورات الخاصة بالقضية، حيث شملت العينة عددا من المنصات على فيس بوك وتلغرام وصفحات إذاعات محلية وصفحات، فضلا عن تنوع المنصات بين المحلية على مستوى المحافظات وعلى مستوى الوطن.