قراءة في اهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية 25-04-2025

إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية

لتحميل التقرير هنا

مقدمة

يشكل فهم اهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي مدخلًا مهمًا لرصد نبض المجتمع وتفاعلاته مع مختلف القضايا المحلية والوطنية. تتوزع هذه الاهتمامات على طيف واسع من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخدمية والثقافية والدينية، مما يعكس تنوع أولويات الناس وتبدلها وفق التحولات اليومية. يحاول هذا التقرير أن يرصد طبيعة هذه الاهتمامات وأنماط التفاعل معها، مبرزًا دلالاتها الاجتماعية والانفعالية، ومفسرًا كذلك مظاهر ضعف التفاعل مع قضايا رغم أهميتها.

يسعى التقرير إلى تقديم قراءة تحليلية تُظهر كيف تتقاطع القضايا المختلفة مع مشاعر الأمل، والغضب، والإرهاق الجمعي لدى الجمهور الفلسطيني في ظل سياق سياسي واجتماعي معقد.

 

اهتمامات الجمهور

تتنوع اهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المحافظات على منصات التواصل الاجتماعي، مع وجود قواسم مشتركة في التفاعل مع الموضوعات والأحداث المختلفة. ويمكن تصنيف هذه القضايا في أبعاد مختلفة أبرزها:

القضايا الاجتماعية:

شكّلت القضايا الاجتماعية الحقل الأوسع والأكثر تنوعًا في تفاعلات الجمهور الفلسطيني، حيث اندرج تحتها موضوعات مثل: الوفاة والحداد، وزواج الأسرى، والحوادث المؤلمة، وظواهر اجتماعية كالعنف أو الإهمال لقواعد السلامة المرورية، والمناسبات العائلية.

يُظهر التفاعل مع هذه القضايا دور وسائل التواصل كمساحات تعبير عن الحزن، والتضامن، أو حتى التهكم على الواقع. ومن أبرز الأمثلة: قصة مصرع الشابة جنان سليمان من الداخل الفلسطيني إثر سقوط تلفريك، وزواج أسير محرر بأسيرة محررة في مصر. هذه الموضوعات تعبّر عن اهتمامات الناس اليومية وقلقهم على قيمهم وهويتهم المجتمعية.

 

القضايا الاقتصادية

حظيت الموضوعات الاقتصادية بتفاعل الجمهور، خاصة تلك المتعلقة بأخبار أسعار الذهب، وعروض المحال التجارية الغريبة (مثل وجبة الملوخية بلحم أرنب)، وعروض السيارات الفاخرة، أو تهريب المواد (كالمعسل) كلها تكشف عن استشعار شعبي متصاعد لحالة اقتصادية مأزومة، تتجلى أحيانًا في الغضب وأحيانا أخرى في السخرية. كما عبّرت تفاعلات الناس مع مشكلات الخريجين أو التوظيف في القطاع العام عن قلق جدي من محدودية الفرص وغياب العدالة.

القضايا الخدمية

حازت القضايا المرتبطة بالخدمات والبنية التحتية باهتمام لافت، خاصة حين تتسبب في كوارث أو حوادث، مثل الحوادث الناجمة عن إهمال في البنية التحتية أو سلوكيات خطرة – كحادثة ترك “الهاند بريك” مفتوحًا في نابلس، أو انقلاب سيارات، أو غياب إشارات مرورية . ويكشف التفاعل عن غضب شعبي من غياب الرقابة والاهتمام.

القضايا الحقوقية

حظيت القضايا الحقوقية بحضور خاصة عند الحديث عن الأسرى، والعدالة، والتعيينات في السلطة الفلسطينية، أو التعامل مع المخالفات الجنائية. حيث أثار “العفو” عن قتلة فتاة فلسطينية نقاشًا حادًا حول مفهوم العدالة وتسييس القرارات. وتكررت المطالبات بالعدالة في حالات مثل الاعتداءات أو التوظيف غير العادل عقب اختبار التوظيف للعام الدراسي 2025/2026، بما يعكس وعيًا شعبيًا متناميًا بالحقوق، وقلقًا من اختلال منظومة القانون والمؤسسات.

 

 

القضايا الدينية

شكلت الموضوعات الدينية محورًا تفاعليا مهما عابرًا للمناطق، وهو أمر يتكرر في المناسبات الإسلامية والمسيحية، مثل سبت النور، ودعاء الأمهات لأبنائهن، أو الصلاة على الشهداء. هذه القضايا توظَّف للتأكيد على الهوية الجمعية، سواء من خلال الفخر بالشعائر أو التعبير عن الألم عند انتهاكها لا سيما وأن الاحتلال تعمد الاعتداء على المسيحيين خلال الاحتفال بأعيادهم الدينية.

القضايا الثقافية والتراثية

برز الاهتمام بالتراث والثقافة الشعبية من خلال منشورات عن أدوات قديمة، وأكلات تقليدية، أو صور أرشيفية من القرى. مثل هذه التفاعلات غالبًا ما تعبّر عن حنين جماعي للبساطة والماضي، والهوية الريفية، وتشير إلى قلق من ذوبان الموروث في ظل التحوّلات الحديثة.

يتضح أن القضايا الاجتماعية تحظى بالنصيب الأوسع من التفاعل، حيث تعبّر عن الهواجس اليومية، ومشاعر الحزن، والفرح، والغضب الجماعي. في المقابل، تستدعي القضايا الاقتصادية والخدمية مستويات عالية من النقد والتهكم، بما يعكس معاناة معيشية وشعورًا بالخذلان من الأداء المؤسسي. أما القضايا الحقوقية والوطنية فتشكّل محطات استثنائية للتعبير عن الغضب والرفض، بينما تبقى القضايا الدينية والثقافية بمثابة خزّان يحافظ على الهوية والقيم.

إن التفاوت في حجم التفاعل مع هذه القضايا يكشف ديناميكيات اجتماعية ترتبط بالأبعاد الاجتماعية والجغرافية في فلسطين، مما يعكس مجتمعًا واعيا، غير أنه مثقل بالهموم المتعددة والمتراكبة.

 

الاهتمامات السياسية

تتضمن تفاعلات الجمهور عبر المنصات الرقمية اهتمامات سياسية في عدة موضوعات وأحداث، أبرزها:

 

  1. الانتهاكات المباشرة ضد المدنيين الفلسطينيين مثل: مجازر الاحتلال في غزة وقصف المدرسة التي كانت تؤوي نازحين، واستشهاد عدد كبير من الأطفال، وإهمال الأسرى طبيًا كحالة ناصر ردايدة وغيره، واقتحام أماكن دينية كالمسجد الكبير في جنين، وحائط البراق في القدس، فضلا عن ممارسات المستوطنين من خطف أطفال في نابلس، دهس أغنام في بيت لحم ، وهجمات على القرى الفلسطينية

شكلت هذه القضايا اهتماما مشتركا للمحافظات الفلسطينية، حيث إنها تستفز الوجدان الوطني، إذ يرتبط الناس بالصور الدامية للضحايا العزّل، خاصة الأطفال والأسرى، ما يخلق حالة من التعاطف والتفاعل جامعة عنوانها الغضب والحزن والشعور بالقهر.

  1. قضايا الاستيطان والتهويد والتضييق اليومي مثل:سرقة الأراضي وتجريفها في رام الله وسلفيت، والاعتداءات على المزارعين وإغلاق الحواجز والطرق والتي في عمومها تقتصر على تفاعل أهل المحافظة لكنها تسجل كتفاعلات عامة نظرا لتكرارها في مختلف المحافظات التاي تتعرض للانتهاكات اليومية على يد الاحتلال، كما برزت التهديدات بتفجير المسجد الأقصى الذي عبر عنه من خلال فيديو بالذكاء الاصطناعي لاقى تفاعلا غاضبا في الشارع الفلسطيني.

يمس الاستيطان بشكل مباشر الحق في الأرض والحياة الكريمة للفلسطينين، لذلك يتفاعلون بقوة مع كل حدث يرتبط بفقدان الأرض، لكن كثر الاعتداءات والتوسع الاستيطاني إدى إلى تركز ارتباط الاهتمام بالقرب الجغرافي، نظرا لإشغال الناس في كل محافظة بهمومها الخاصة.

  1. التفاعلات مع القضايا الإقليمية والدولية مثل: زيارة الرئيس عباس إلى سوريا ولقاء أحمد الشرع التي قوبلت بانتقادات وتشكيك في الجدوى، إضاقة إلى اهتمام بموقف الحوثيين وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، والهدنة القطرية-المصرية المقترحة في غزة.

يُظهر هذا البعد وعيًا سياسيًا شعبيًا بالقضايا الإقليمية وربطها بالصراع المحلي، حيث يظهر الفلسطينيون إدراكًا بأن تطورات الإقليم سواء إيجابية أو سلبية تنعكس على قضيتهم مباشرة.

  1. التفاعلات الوطنية : مع موضوعات مثل الشهداء والأسرى خاصة مع قصص الاعتداءات عليهم، والتي برزت بشكل لافت في حادثة استشهاد الأسير مصعب عديلي، فضلا عن تفاعلات بالنقد للأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية ورئيسها عقب تصريحاته التي وصف فيها المقاومين بأولاد الكلب.

 

سمات الاهتمامات السياسية المشتركة

يسود شعور مشترك لدى الجمهور الفلسطيني، يتمثل في الحزن والغضب، خصوصًا عند تناول قضايا الشهداء والأسرى والجرحى. ويترافق ذلك مع تصاعد واضح للنقد السياسي الداخلي، حيث يعبّر كثيرون عن غضبهم وانتقادهم للسلطة الفلسطينية، خاصة عند ظهور مواقف من قبلها تُعتبر تقصيرًا أو إهانةً لمشاعر الناس، كما ظهر في ردود الفعل على تصريح الرئيس عباس “أولاد الكلب”. ويتعمق هذا الغضب مع تراجع الثقة بالحلول الرسمية، إذ تعزز قضايا الاستيطان، وإغلاق الحواجز، والاقتحامات اليومية، مشاعر العجز وفقدان الأمل بالمفاوضات أو بالردود السياسية التقليدية. في المقابل، يظهر إعجاب واسع بالمقاومة والتمسك بها، حيث تحظى العمليات الفردية، والتصدي لاقتحامات الاحتلال، والرسائل المصورة للمقاومين، بتفاعل شعبي كبير، بما يعكس تمسك الناس بخيار الصمود والمقاومة رغم تصاعد القمع والمجازر.

 

ضعف التفاعل

رغم خطورة الأحداث، برز ضعف التفاعل المشترك بين المحافظات الفلسطينية في قضايا مركزية عدة، أهمها: اقتحامات المسجد الأقصى والانتهاكات بحق المقدسات، وإخلاء المنازل في طولكرم، وتصاعد جرائم القتل في الداخل المحتل. كذلك، لوحظ تراجع التفاعل مع أوضاع الأسرى ومعاناة الأسيرات في سجن الدامون. إضافة لذلك، لم تلقِ قضايا تجريف الأراضي، ومصادرة الممتلكات، وافتتاح الطرق الاستيطانية اهتمامًا واسعًا يمتد للمحافظات الأخرى.

 

أسباب ضعف التفاعل:

  1. الإرهاق النفسي الناتج عن التكرار المستمر للأحداث الصادمة من انتهاكات، ومجازر، وغيرها، و هذا التكرار أدى إلى ما يمكن وصفه بـ”تبلد المشاعر”، حيث يصبح الجمهور غير قادر على الانفعال الطبيعي مع كل حدث جديد مهما كان خطيرًا.
  2. التطبيع مع الألم والاعتياد عليه، حيث إن تكرار المآسي والانتهاكات جعل الجمهور يعتاد عليها وكأنها جزء من المشهد اليومي، مما أفقد الأحداث وقعها وقلل من القدرة على الاستجابة العاطفية الفاعلة.
  3. الإحساس بالعجز الجماعي، حيث تكرار الانتهاكات دون نتائج عملية وبين شعور الجمهور بالعجز. ويؤدي هذا الشعور إلى تقليل الحافز للمشاركة أو التفاعل لأن الناس يشعرون أن تفاعلهم لا يغيّر شيئًا.
  4. الانشغال بالقضايا المحلية اليومية؛ فجزء كبير من تفسير ضعف التفاعل يعود إلى أن الجمهور يركز أكثر فأكثر على مشاكله اليومية الملموسة من انقطاع الكهرباء، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتهاكات الاحتلال على المستوى المحلي… إلخ.، وهذا التركيز يجعل الاهتمام بالقضايا الوطنية أو الإنسانية الكبرى أقل أولوية، خصوصًا حين لا ترتبط مباشرة بالحياة اليومية.
  5. التكرار المرهق للأحداث الإعلامية، فالإعلام الفلسطيني ينقل الأخبار اليومية المتشابهة مثل: الاقتحامات، والاعتقالات، والهدم…، دون تغيّر في السياق أو النتائج، مما يعزز ظاهرة “التشبع الإخباري”، ويدفع الناس لتجاهل الأخبار تدريجيًا.
  6. فقدان الثقة بالمؤسسات السياسية الرسمية، حيث يلاحظ انفصال الناس عن السلطة السياسية، وعدم الثقة بها أو بعدم جدوى مواقفها، مما قلل من اندفاع الجمهور لدعم قضايا تتعلق بالسلطة أو رموزها أو تحركاتها.

 

الخاتمة

تكشف خريطة الاهتمامات والتفاعلات الشعبية الفلسطينية عن مجتمع يحمل همومه اليومية إلى الفضاء الرقمي ليعبّر عنها بصور متنوعة بين التضامن والغضب والسخرية. في الوقت ذاته، يبرز التفاوت في حجم التفاعل مع القضايا كنتيجة طبيعية لمزيج من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، إلى جانب شعور عام بالإرهاق والعجز وفقدان الثقة بالمؤسسات السياسية.

إن تحليل هذه التفاعلات لا يضيء فقط ملامح الحالة الشعبية الراهنة، بل يرسم أيضًا ملامح تحديات قادمة تتطلب قراءة واعية لأمزجة الناس وتحولات أولوياتهم، في ظل واقع تتزايد فيه الضغوط وتتعاظم الحاجة إلى صيانة الهوية الوطنية والاجتماعية أمام محاولات الطمس والتهميش.

 

  • اعتمدت القراءة على رصد اهتمامات الجمهور عبر المنصات الرقمية خلال أسبوع كامل، في عدد من المحافظات الفلسطينية كعينة وهي: نابلس ورام الله والقدس والخليل وسلفيت وبيت لحم، بحيث تمثل محافظات من الوسط والشمال والجنوب والقدس، كما اعتمدت على متابعة ورصد يومي لاهتمامات الناس وتفاعلاتهم .