إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية
لتحميل التقرير هنا
التوصيات لوسائل الإعلام صوتي هنا
ملخص
تهدف الدراسة إلى تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني على المنصات الرقمية خلال الفترة من 26/4-2/5/2025 ، لفهم أولوياتهم واهتمامتهم، وتحديد أسباب تفاوت التفاعل مع القضايا المختلفة. اعتمدت الدراسة على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر أبرز المنصات الرقمية لدراسة أنماط التفاعل مع قضايا متنوعة (اجتماعية، وأمنية، ودينية، واقتصادية، وسياسية وغيرها) في عدة محافظات فلسطينية كعينة للدراسة*.
أظهرت النتائج أن القضايا الاجتماعية والإنسانية، خصوصًا الوفيات والتعازي، هي الأكثر توحيدًا للمزاج الجمعي، وفيما يتعلق بالمجال السياسي برز التضامن مع غزة، وقوافل شد الرحال للأقصى والرموز الوطنية. بالمقابل، تراجع التفاعل مع قضايا متكررة أو بعيدة جغرافيًا، نتيجة الإرهاق والتكرار وفقدان الأمل بالأثر.
أوصت الدراسة وسائل الإعلام بتجديد الخطاب الإعلامي عبر السرد القصصي الإنساني، وتعزيز الهوية والانتماء، وربط القضايا الوطنية بالحياة اليومية، إضافة إلى مواجهة التبلد الوجداني برسائل محفزة تدعم التفاعل الواعي وتُعيد بناء الثقة والارتباط بالقضية العامة.
تمهيد
في ظل تنامي دور المنصات الرقمية كمساحات للتعبير والتفاعل، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي مرآة تعكس نبض المجتمع الفلسطيني، وتُظهر كيف تتداخل الاهتمامات الفردية والمحلية ضمن أطر جمعية أوسع. يتناول هذا التقرير تحليلًا لاهتمامات الجمهور الفلسطيني خلال فترة زمنية محددة، من خلال تتبّع أنماط التفاعل مع قضايا اجتماعية وأمنية وسياسية واقتصادية وثقافية، بهدف فهم أولويات الجمهور، ودوافع تفاعله. كما تقدّم الدراسة قراءة في أسباب ضعف التفاعل مع بعض القضايا، ويختم بتوصيات إعلامية تُسهم في تجسير الفجوة بين الحدث والجمهور، وتعزيز التفاعل الواعي والمسؤول.
اعتمدت هذه الدراسة الوصفية على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية، وذلك خلال فترة زمنية امتدت لأسبوع كامل. تم اختيار عينة مكوّنة من ست محافظات فلسطينية تمثل التوزيع الجغرافي للمجتمع الفلسطيني (الوسط، والشمال، والجنوب)، وهي: رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل،و سلفيت، وبيت لحم. كما تم اعتماد الرصد اليومي المنتظم لتفاعلات المستخدمين مع الموضوعات والقضايا المتداولة على المنصات الرقمية، من خلال متابعة عدد من الصفحات والمنصات الأكثر تأثيرًا ونشاطًا في كل محافظة، والتي تم اختيارها بناءً على حضورها المجتمعي وتفاعل الجمهور معها، ورصد القضايا والموضوعات الأكثر تفاعلا من قبل الجمهور.
اهتمامات الجمهور في القضايا المختلفة
تعكس اهتمامات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات الجمهور الفلسطيني حول مختلف القضايا التي تشغله، ويمكن تصنيف هذه القضايا وفق الآتي:
- القضايا الأمنية
برزت الشجارات العائلية والجرائم الفردية كمصدر مشترك للقلق العام، لا سيما في حوادث وقعت في دورا قضاء الخليل، وبيت لحم، والأردن، وامتدت أصداؤها إلى القدس ورام الله. كما سجّل مقتل شابين في الداخل المحتل اهتمامًا لافتًا في رام الله ونابلس. وفي رام الله (بيتونيا)، أثار اعتداء بالفأس على أحد المواطنين صدمة لدى الجمهور، كما شكّل شجار على خلفية مخالفة مرورية لأنس الهباش نجل محمود الهباش حدثًا متداولًا، عكس جدلًا واسعًا حول احترام القانون والسلطة. إضافة إلى ذلك، تصاعد الاهتمام بقضايا أمنية مثل سرقات محلات الذهب في رام الله وبيت لحم، واعتقال الفنان يزن حمدان، ما أظهر تفاعلًا مشتركًا مع مشاعر التهديد الشخصي والسياسي في آن.
- القضايا الدينية والثقافية
ظهرت قوافل شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى كمصدر اهتمام واسع في القدس وخارجها، حيث عبّرت عن روح الرباط الوطني والديني. كما لاقت منشورات حول جمال البيوت المقدسية تفاعلاً، عكست فيه رمزية المكان وقدسيته في المخيال الفلسطيني.
- القضايا الاقتصادية
انشغل الناس بقضايا اقتصادية ذات طابع شعبي، مثل أزمة انهيار سوق السيارات، والتحذيرات من إلغاء ورقة نقدية إسرائيلية أثارت السخرية، وتسجل القضايا الاقتصادية تراجعا لافتا في اهتمامات الجمهور هذا الأسبوع.
- القضايا العامة
أثار الحديث عن الطقس المتقلب والموجة الخماسينية تفاعلًا لافتًا، حيث شكّل الطقس موضوعًا مشتركًا للنقاش والتحذير وحتى التندر. كما لاقى خبر اكتشاف أفعى سامة في محرك سيارة في رام الله انتشارًا واسعًا بوصفه حادثًا مثيرًا للذعر والفضول. في السياق ذاته، تكررت حوادث السير والدهس وأثارت مخاوف بشأن السلامة العامة، خاصة عند إصابة أطفال أو نساء، كما في حادث الطفلتين صبا وبيسان شبانة. ومن الحوادث اللافتة أيضًا حادثة وفاة عامل من القدس بسبب انفجار سخان ماء، وأثارت موجة تعاطف ونقاشًا حول الإهمال المنزلي.
- القضايا الاجتماعية
شكّلت التعازي بالوفيات أبرز مظاهر الاهتمام الاجتماعي المشترك، حيث تفاعلت المحافظات مع حالات وفاة مثل وفاة الشاب محمد مطور في الخليل، وخالد اشبارو في نابلس، وكوستي أبو قبع في بيت لحم، والدكتور قيس صوالحة في الإمارات وغيرها من الحالات، ما يعكس مكانة التعزية كعرف اجتماعي يُفعّل روابط العائلة والعشيرة ويستدعي مشاعر التضامن والمواساة. إضافة إلى ذلك، لقيت حالات المرض والدعاء بالشفاء، مثل دعوات الشفاء لقيس العايدي وأشرف صنوبر من نابلس، والطبيب زياد شقير من القدس، والطفلتين شبانة من الخليل، تفاعلاً عاليًا، عكس روح التكافل والتعاطف بين أبناء المحافظات.
كما تفاعل الجمهور مع قصة الأسير المحرر محمد العارضة وعقد قرانه، كحدث يحمل دلالات تحررية واجتماعية، ولاقت صورة افتراضية من الذكاء الاصطناعي نشرها نجل الشهيد مصطفى أبو عرة تفاعلاً اجتماعيا، استعاد فيها الجمهور مشاعر الفقد والحنين في مواجهة الغياب.
تؤكد هذه التفاعلات للجمهور الفلسطيني أن المنصات الرقمية باتت ساحة لبلورة هُوية جمعية رقمية تتفاعل مع الحدث المحلي كقضية وطنية، وتعيد تشكيل المجتمع الفلسطيني رغم الجغرافيا والتقسيم السياسي.
دلالات وأبعاد للاهتمامات
يُظهر تحليل الاهتمامات المشتركة بين المحافظات الفلسطينية خريطة تعكس طبيعة التوجهات المجتمعية بما فيها من تداخلات متباينة وظروف اقتصادية وووقائع يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن تفكيك هذا المشهد من خلال خمسة محاور رئيسية:
أولًا: وحدة الوجدان المجتمعي في القضايا الإنسانية والاجتماعية: مثّلت الوفيات والتعازي القاسم المشترك الأبرز بين المحافظات، وهي لا تُعبّر فقط عن الحزن بل عن تماسك اجتماعي متجذّر في الثقافة الفلسطينية. تكررت حالات الوفاة وشهدت تفاعلات عابرة للمناطق، ما يعكس أهمية هذه الطقوس الجمعية بوصفها طقوسًا هوياتية.
يُظهر المشهد أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت “ديوان عزاء وطني” رقمي، يجمع الشتات المجتمعي الفلسطيني حول لحظات الألم، ويُعيد إنتاج شبكة التضامن الأهلي.
ثانيًا: القلق الاجتماعي من تصاعد الشجارات والانفلات الأمني: سجّل ارتفاع ملحوظ في التفاعل مع الشجارات العائلية وحوادث إطلاق النار والاعتداءات، والتي تكررت في الخليل، وبيت لحم، ورام الله، والقدس، ولم تُقرأ هذه القضايا محليًا فقط، بل انتشرت لتثير نقاشًا عامًا حول أزمة الأمان الداخلي، وارتبطت بسياقات أشمل تتعلق بغياب دور السلطة ومؤسساتها الأمنية عن حماية المواطن.
ثالثًا: الاهتمام الجماعي بالقضايا الدينية والوطنية: حظي موضوع شدّ الرحال إلى الأقصى وقوافل الرباط في القدس بتفاعل على مستوى المحافظات، في تعبير عن مركزية القدس دينيًا ووطنياً في الوعي الفلسطيني. كذلك تشير قصة جمال المنازل المقدسية التي أُعيد تداولها إلى كيفية تتقاطع الثقافة والهوية الوطنية في استحضار القدس كمركز رمزي، ويأتي هذا الاهتمام بعد ملاحظة تراجع الاهتمامات فيما يتعلق بالقدس واقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى خلال الفترة الماضية نظرا لإشغال الجمهور بهموم ومشكلات محلية، حيث لعبت طبيعة المنشورات دورا مهما في جذب انتباه واهتمام الجمهور للقدس بعيدا عن الطابع الإخباري المتكرر.
رابعا: الاهتمام المشترك بالقضايا المناخية والطبيعية: يعكس التفاعل الواسع مع موجة الحر وحالة الطقس الخماسيني كيف تشكّل الظروف الجوية محفزًا وجدانيًا وعمليًا يؤثر على تفاصيل الحياة اليومية، ويُعيد تشكيل النقاشات العامة مؤقتًا حول الاستعداد والتأقلم. كذلك أثارت قضية أفعى فلسطين في محرك السيارة خوفًا جمعيًا رمزيًا، يمكن قراءته على أنه تعبير عن توترات خفية ومخاوف من المفاجآت في الحياة اليومية.
اهتمامات الجمهور السياسية
تتضمن اهتمامات الجمهور وتفاعلاته مع عدد من الموضوعات السياسية دلالات وتوجهات عدة، أبرزها:
– التضامن مع غزة: يعتبر الموضوع الأكثر توحيدًا واشتراكًا بين المحافظات لا سيما مع المجازر المتواصلة في قطاع غزة، فقد شكّلت مشاهد استشهاد الأطفال، مثل الطفل الذي قُذف إلى سطح عمارة أو استشهاد الأسير المحرر علي الصرافيتي وعائلة، إضافة إلى حالات الجوع والبرد القاتلة، مشهدًا صادمًا حفّز تعاطفًا وطنيًا. يشير ذلك إلى أن الهمّ الإنساني في غزة لا يزال المحرّك الأقوى للوجدان الجمعي الفلسطيني، ويلاحظ أن التفاعل يزداد مع القصص الإنسانية ذات التأثير.
– الانتهاكات في الضفة والمتمثلة في اقتحامات القرى، وهجمات المستوطنين، وعمليات الهدم والبناء الاستيطاني، أثارت اهتمامًا واسعًا، لكن بصورة محلية في كل محافظة على حدا، بمعنى أن هذه الانتهاكات مشتركة تحدث في كل المحافظات ويتم التفاعل معها محليا.
يلاحظ أن هذه الانتهاكات تخلق مزيجًا من الغضب والخوف والشعور بالتهديد الوجودي، ما يجعلها مركزًا لتقاطع الانفعالات بين المحافظات. وتنعكس هذه الأحداث باعتبارها ليست فقط اعتداءً على الأرض بل على الهوية والبقاء، وتشكّل أرضية سياسية مشتركة تُخرج الناس من ردود الفعل إلى مستوى الغضب السياسي الواضح، بما في ذلك الانتقاد الحاد للسلطة الفلسطينية.
– المقاومة وعملياتها، ومن أمثلة ذلك عمليات المقاومة في غزة، مثل مقتل جنود صهاينة أو كمائن المقاومة في الضفة لا سيما كمين بلدة بيتا، حظيت بتفاعل كبير، وتشير هذه التفاعلات إلى أن العمل المقاوم، لا سيما حين ينتج عنه نتائج ملموسة ضد الاحتلال، يُعدّ لحظة أمل عاطفية ومكثّفة تعوّض الشعور بالعجز. هذا النوع من التفاعل يعيد إنتاج رمزية المقاومة الناجحة كرافعة للمعنويات الجماعية.
– غياب الثقة بالسلطة الفلسطينية، وتجلّى ذلك في النقد الحاد لصمت السلطة وتخاذلها، إضافة إلى أزمة ثقة حادة في قدرتها على الحماية أو التأثير.وفي ظل تكرار الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، تبرز السلطة كجسم غائب حاضر، حيث تتراكم مشاعر الخذلان، وتتحول أحيانًا إلى سخرية أو اتهام مباشر. واللافت أن هذا الغضب يتكرر في محافظات ذات طابع مختلف اجتماعيًا وسياسيًا، ما يعني أن فقدان الثقة هو شعور وطني عام وليس مناطقيًا فحسب، ويأتي هذا التوجه بالرغم من التشديد من قبل السلطة الفلسطينية على حرية التعبير عبر المنصات الرقمية وملاحقة منتقديها.
– الوعي السياسي الدولي ومقارنات المواقف، حيث برز التفاعل مع مواقف دولية مثل إلغاء إسبانيا صفقة ذخيرة أو استقبال تركيا لأسرى محررين، مقابل مواقف عربية اعتُبرت خاذلة، وهذا النمط يعكس بروز الوعي السياسي الخارجي كعنصر فاعل في تشكيل الوعي السياسي المحلي، إذ تُقارن مواقف دول العالم تجاه الفلسطينيين وتُستخدم كأداة لقراءة مواقف “الأشقاء” و”الحلفاء”. وتظهر تركيا في الخطاب الشعبي كـ”فاعل إيجابي” مقابل “خذلان عربي” يشعر الناس أنه إهانة لهم.
– الاهتمام بالشهداء والرموز المحلية كصدى للهوية الجمعية، ومن أبرزها حالات استشهاد مثل عبد الخالق جبور أو العامل عرفات قادوس، وحتى قضايا الاعتقال مثل الطبيبة شيماء أبو غالي والمعلمة فاطمة منصور. وهذه الأحداث تمثل نقاط التقاء، حيث تتحول الشخصيات الفردية إلى رموز تُفعّل سرديات الصمود والكرامة، وتُظهر الحساسية العالية تجاه استهداف المدنيين والكفاءات.
– الرمزية الدينية والوطنية والاستفزازات الجماعية، ومن أمثلة ذلك الاقتحامات ومنع رفع الأذان في المسجد الأقصى والاستفزازات في الحرم الإبراهيمي، ومسيرات الأعلام، ويرجع التفاعل إلى تزامن هذه الأحداث مع إحياء الاحتلال لذكرى ما يُعرف بـ”الاستقلال”
ضعف الاهتمامات والتفاعل
موضوعات ضعف التفاعل
يُلاحظ أن أبرز الموضوعات التي شهدت ضعف تفاعل مشترك بين المحافظات تمثلت في قضايا وطنية وإنسانية أساسية، مثل الاعتقالات والإفراجات من سجون الاحتلال، كما برز الضعف في التفاعل مع انتهاكات المستوطنين، كأداء رقصات استفزازية في كفل حارس وتجريف الأراضي وغيرها من الاعتداءات التي يقل التفاعل معها خارج مناطقها المباشرة، وتراجعت الاستجابة أيضًا لقضايا حساسة مثل المجاعة في غزة ونفاد الإمدادات الغذائية رغم خطورتها، بالرغم من تسجيل الاهتمام بأحداث أخرى في غزة مرتبطة بقصص إنسانية، وكذلك لم تلقَ جرائم القتل في الداخل المحتل ومايحدث في جنين وطولكرم من انتهاكات اهتمامًا كافيًا، كما أن تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس منظمة التحرير لم تحرك تفاعلاً كبيرا.
أسباب ضعف التفاعل
- التكرار والاعتياد: فتكرار الأحداث أفقدها عنصر الصدمة وجعلها تبدو مألوفة، مما يضعف الاستجابة معها.
- البعد الجغرافي والوجداني: فضعف الارتباط المباشر بالحدث يقلل من تفاعل الجمهور في المحافظات غير المعنية.
- فقدان الأمل بالأثر: وهو شعور عام بعدم جدوى التفاعل الشعبي، خصوصًا في ظل غياب استجابة رسمية أو تأثير ملموس.
- الإرهاق والإنهاك الناتج عن كثرة الأزمات وتتابع المجازر خلق نوعًا من التشبع العاطفي.
- تركيز الجمهور على قضايا محلية، فالمجتمعات تتفاعل أكثر مع القضايا التي تمس حياتها اليومية بشكل مباشر.
توصيات لوسائل الإعلام
في ضوء دراسة اهتمامات الجمهور وضعف اهتمامته تجاه مختلف الأحداث، نقدم في هذا التقرير توصيات لوسائل الإعلام لأخذها بعين الاعتبار:
- تعزيز الصمود والتفاعل الإيجابي
ينبغي على وسائل الإعلام أن تركز على إبراز القصص الإنسانية والمبادرات المحلية التي تعكس روح التعاون والصمود، مثل أعمال الإغاثة والمقاومة الشعبية بكافة أشكالها، لما لها من دور في تعزيز الروح الجماعية ورفع المعنويات. كما يجب تسليط الضوء على النجاحات الفردية والجماعية في ظل الأزمات، لتقديم نماذج واقعية تُلهِم الجمهور وتعزز من ثقته بذاته وبمجتمعه. إن التغطيات الإعلامية المتوازنة التي تجمع بين الحزن والأمل تساعد على تعزيز المناعة النفسية، وتمنع الاستسلام لحالة الإحباط أو التبلد.
- تجديد الأساليب الإعلامية
لمواجهة التكرار والجمود في الطرح الإعلامي، من المهم أن تُقدَّم القضايا المتكررة بأساليب جديدة تعتمد على السرد القصصي الإنساني، واستخدام شهادات حية من المتضررين أو الناجين، وربط الحدث بسياقات شخصية أو تاريخية تعمق من فهم المتلقي وتعزز تفاعله. كما يجب استخدام محتوى بصري ورمزي قوي، من صور ومقاطع فيديو، تحاكي الوجدان بشكل متجدد، وتكسر النمط الجاف الذي يضعف التفاعل ويقلل من الاستجابة الشعورية.
- معالجة التبلد والانهاك العاطفي
من الضروري أن يدرك الإعلام أن تكرار الصدمات يسبب تبلدًا وانهاكًا عاطفيًا لدى الجمهور، ولذلك يجب أن يقدم رسائل تحفيزية تساهم في إعادة بناء الرابط العاطفي بين الفرد والقضية، وتستهدف البعد النفسي في فهم تراجع التفاعل الشعبي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تغطيات تحليلية عميقة، غير مستنزفة للعواطف، تساعد الجمهور على الفهم والتأمل بدلًا من الاكتفاء بالانفعال المؤقت أو التبلد السلبي.
- ربط القضايا الوطنية بالحياة اليومية
يلعب الإعلام دورًا مهمًا في كسر الحواجز بين القضايا الكبرى والواقع المعاش، من خلال توضيح كيف تنعكس الأحداث السياسية مثل المجازر أو السياسات الاستيطانية على تفاصيل الحياة اليومية، كارتفاع الأسعار، ونقص المواد الأساسية، أو تهديدات التهجير. كما ينبغي دمج القضايا المجتمعية كالشجارات المحلية أو مشكلات الخدمات في سياقاتها الوطنية، ما يعيد تشكيل وعي الأفراد ويقرّبهم من الشأن العام بطريقة ملموسة.
- دعم الهوية والانتماء
من المهم أن تسلط وسائل الإعلام الضوء على الجوانب الثقافية والدينية التي تدعم التمسك بالهوية الوطنية، مثل تسليط الضوء على رموز دينية وتاريخية، أو قصص شعبية تعزز الانتماء وتغذي الذاكرة الجمعية. كما يُعد إحياء التراث الشعبي والموروث الثقافي وسيلة فعالة لتعزيز الروح الوطنية في مواجهة محاولات الطمس أو التهميش، وزيادة التفاعل الواعي مع الرموز الجامعة للمجتمع.
- التفاعل الرقمي الواعي
على الإعلام أن يستثمر منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل الفوري مع الجمهور، من خلال الاستماع إلى مخاوفهم، وطرح قضاياهم، وإيصال رسائل تحفيزية تعزز من التفاعل المجتمعي. كما يُستحسن أن ينظم الإعلام حملات تفاعلية وأسئلة تفتح باب النقاش والتفكير، وتعيد بناء الرابط الحي بين الفرد والقضية العامة. كذلك، من الضروري تحسين توقيت النشر وصياغة العناوين بلغة إنسانية محفزة، تعكس مكانة الحدث وجدانيًا دون الوقوع في الابتذال أو المبالغة.
الخاتمة
يتضح أن المزاج الرقمي الفلسطيني يتشكل من شبكة انفعالات تعكس طبيعة المجتمع الفلسطيني وهمومه المتعددة. وبينما تحضر قضايا كالوفيات، وغزة، والقدس كمرتكزات وجدانية موحِّدة، تتراجع تفاعلات أخرى بفعل عوامل وسياقية أخرى، ما يستدعي النظر في الأساليب الإعلامية المعتمدة. إن إعادة الاعتبار للقضايا الوطنية والإنسانية يتطلب خطابًا إعلاميًا حيويًا، يُخاطب العقل والقلب معًا، ويستند إلى الفهم العميق للوجدان الجمعي وآليات تفاعله. وعليه، فإن بناء إعلام قادر على تحفيز التفاعل العاطفي والواعي بات ضرورة وطنية، تُسهم في تعزيز الهوية، وترسيخ التضامن، وتجسير الفجوات بين الجغرافيا والانتماء.


