اهتمامات الجمهور: القصص الإنسانية والسخرية كرموز صمود تعزز التفاعل وتخفف من وطأة الإرهاق والخذلان

لتحميل الدراسة من هنا

ملخص

أظهرت النتائج أن اهتمامات الجمهور الفلسطيني كانت متداخلة وتعكس طبيعة المزاج الجمعي الذي يتأثر بتقلبات الواقع الميداني والضغوط اليومية. وقد تصدّرت موضوعات أزمات الوقود والأسعار والرواتب محاور تفاعل الجمهور فضلا عن القلق من تصاعد الأحداث الإقليمية بين إيران ودولة الاحتلال.

بيّنت الدراسة أن الجمهور بات يُظهر مستوى عاليًا من الحساسية النقدية تجاه المؤسسات الرسمية، حيث تراجعت الثقة بالخطاب الحكومي خاصة في ملفات الخدمات والطوارئ، وبرز الميل نحو السخرية والنقد المباشر كأدوات للتعبير عن الاستياء. وبرزت القصص الإنسانية والسخرية كرموز صمود تعزز التماسك المجتمعي وتخفف من وطأة الإرهاق والخذلان أكثر من الطروحات المجردة أو العمومية، ما يشير إلى تغير في طبيعة الاستجابة الرقمية وتفضيل ما هو ملموس ووجداني.

توصي الدراسة بضرورة التركيز على سرد قصص إنسانية، واستخدام التوثيق البصري والسرد القصصي لجذب التفاعل، مع تقديم محتوى يحفز الفعل بدلًا من الشفقة. كما نبهت إلى أهمية ربط الأخبار بسياقات وطنية أوسع، واستخدام السخرية كأداة توعوية. وأكدت على ضرورة تعزيز الثقة بالمعلومات عبر توثيق موثوق وتنشيط الإعلام المحلي، خاصة في حالات الطوارئ، لضمان تواصل أفضل مع الجمهور الفلسطيني ورفع مستوى الوعي والتفاعل.

اعتمدت الدراسة على تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني على المنصات الرقمية خلال الفترة من 13-19/6/2025، لفهم أولوياتهم واهتمامتهم، وتحديد أسباب تفاوت التفاعل مع القضايا المختلفة. اعتمدت الدراسة على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية لدراسة أنماط التفاعل مع قضايا متنوعة (اجتماعية، وأمنية، ودينية، واقتصادية، وسياسية وغيرها) في عدة محافظات فلسطينية كعينة للدراسة.

 

 

تمهيد

في ظل تزايد الأزمات السياسية، وزالأمنية، والاقتصادية التي تواجه المجتمع الفلسطيني، تتجلى منصات التواصل الاجتماعي كفضاءات حيوية تعكس بشكل دقيق أولويات الجمهور الفلسطيني وتظهر تداخل مشاعرهم وتوجهاتهم الجماعية، ما يفرض التوجهلفهم أنماط التفاعل الشعبي، وتحليل التحولات النفسية والاجتماعية التي يعايشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال المستمر والضغوط المعيشية المتزايدة، ما يجعلها أداة أساسية لرصد نبض المجتمع وقراءة تداعيات الأزمات المختلفة..

تقدم هذه الدراسة قراءة تحليلية معمقة لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر رصد أنماط التفاعل في سياقات متعددة، بهدف فهم التداخلات بين القضايا المختلفة، وكشف الآليات التي تحكم مستويات الانخراط أو الانكفاء الشعبي تجاه الأحداث الكبرى والتفاصيل اليومية على حد سواء، معتمدة على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية، وذلك خلال فترة زمنية امتدت لأسبوع كامل.*

اهتمامات الجمهور في القضايا المختلفة

تعكس اهتمامات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات الجمهور الفلسطيني حول مختلف القضايا التي تشغله، ويمكن تصنيف هذه القضايا وفق الآتي:

القضايا الأمنية

شهدت القضايا الأمنية تفاعلًا واسعًا في موضوعات متنوعة من بينها حادثة اعتداء الشرطي عبد الله عبيات على شاب في بيت لحم بسبب نظرة نحو فتاة، الأمر الذي أثار موجة غضب ورفض واسع للتجاوزات الأمنية، إلى جانب تصاعد أحداث القتل في شفا عمرو في الداخل المحتل وكفر عقب ومناطق مختلفة من الضفة الغربية، فضلا عن سقوط عشرات الشظايا الصاروخية التي أثارت الخوف والتوتر الشعبي، إضافة إلى انتشار فيديو لشبان من سلفيت يحملون بقايا صاروخ إيراني في مشهد أثار تفاعلات تراوحت بين الفخر والسخرية والتحذير، كما أن ملاحقات الشرطة الاسرائيلية  وحملات الاعتقالات في صفوف عرب الداخل بسبب التعبير السياسي فيما يتعلق بالصواريخ الايرانية وتصويرها، زادت من مشاعر التوتر والاحتقان في الشارع الفلسطيني.

قضايا الحوادث

توزعت بين حوادث دهس مؤلمة مثل تلك التي وقعت في قباطية وحوادث حرائق في عصيرة الشمالية والقدس، إضافة إلى حادثة مؤثرة تمثلت في إصابة عامل فلسطيني أثناء محاولته اجتياز الجدار نحو الداخل المحتل، وهذه الحوادث لاقت تفاعلًا واسعًا بسبب ما تحمله من أبعاد إنسانية ومأساوية. كما تفاعل الناس بطرافة مع حادثة الاشتباه بوجود حريق في عمارة بشفا عمرو، ليتضح لاحقًا أنه ناجم عن حفلة شواء، مما يعكس خليطًا من التوتر والبحث عن لحظات طريفة في ظل الضغط اليومي.

القضايا الاقتصادية

حملت القضايا الاقتصادية أبعادًا ضاغطة على المجتمع جراء خصم أموال المقاصة وتجميد مليار شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية بقرار من وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، ما أثار موجة من القلق الشعبي بشأن الرواتب والمستقبل المالي، كما تصاعدت أزمة نقص الوقود بشكل كبير في مختلف المحافظات، حيث شهدت محطات الوقود ازدحامًا خانقًا، وارتفعت الأسعار إلى أرقام مبالغ فيها، وظهرت اتهامات بالتخزين والاستغلال. كما شهدت الأسواق حالة من الكثافة الشرائية للمواد الغذائية مع تصاعد التوتر الإقليمي بعد احتدام الصراع بين إيران وإسرائيل، وأثارت أيضًا قضية رفع أجرة النقل من الجسر إلى عمّان استياءً شعبيًا واسعًا خاصة في المناطق التي تعتمد على الجسر كمسار تنقل أساسي، بينما ساهم الإغلاق في جنين في تدمير الموسم الزراعي وتسبب بخسائر كبيرة وسط غياب الدعم الحكومي الفعلي وغياب خطط إنقاذ واضحة.

القضايا الاجتماعية

تظهر تفاعلات الجمهور تعاطفًا عاطفيًا واسعًا يعكس الترابط المجتمعي، خاصة في حالات الوفاة المفاجئة أو الظروف الإنسانية القاسية كقصة وفاة الشاب خالد عواد ووالدته، التي تحوّلت إلى رمز للروابط العائلية، وهي الحادثة التي لاقت انتشارًا واسعًا وتفاعلًا شعبيًا كبيرًا،كما تكرر الحضور الاجتماعي في مناسبات الوفاة والتعازي والتهاني والتخرج والدعاء الجماعي لطلبة الثانوية العامة،ما يعكس تمسك المجتمع الفلسطيني بروح التضامن والروابط القوية في مختلف الظروف. أما في جانب الخلافات والشجارات الاجتماعية،  فقد شهدت بعض المناطق مثل واد شاهين في بيت لحم شجارا بسبب انقطاع المياه، مما زاد من مشاعر الغضب الشعبي نتيجة تردي الواقع الخدمي وانعدام الحلول العملية، مما يعكس توتراً مجتمعياً نتيجة الضغوط اليومية.

القضايا الخدمية

تركز تفاعل الجمهور في القضايا الخدمية مع إعلان الحكومة الفلسطينية رفع جاهزية المؤسسات الأمنية والصحية والدفاع المدني تحسبًا لأي طارئ عقب احتدام الصراع الإقليمي، وسط موجة من التساؤلات والشكوك من المواطنين حول مدى الاستعداد الحقيقي لهذه الجهات لمواجهة تطورات ميدانية واسعة. كما شهدت أزمة توريد المحروقات إلى الضفة الغربية حلحلة جزئية بعد تصاعدها في الايام الماضية، وتسببهابحالة من الغضب والاتهامات بالتمييز غير المبرر في توزيع الخدمات، ما خلق أزمة ثقة بين المواطن والتصريحات الرسمية خاصة بعد تناقض البيانات الحكومية مع المشاهد الميدانية للمواطنين المنتظرين على محطات الوقود.

القضايا التعليمية

برز التفاعل مع القضايا التعليميةفي عدة موضوعات منها تعليق الدوام في عدد من المدارس والجامعات وتحويل التعليم في بعضها إلى نمط التعليم عن بعد، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، ما أثار نقاشًا على المنصات الرقمية حول قدرة المؤسسات التعليمية على التكيف مع التعليم الإلكتروني، ومدى توفر البنية التحتية المناسبة لمواصلة العملية التعليمية بشكل فعّال دون انقطاع أو تراجع في جودة التعليم.

القضايا الحقوقية

تجلى الاهتمام في الموضوعات الحقوقية بشكل رئيسي في استشهاد الأسير محمد عصاعصة من بلدة علار داخل سجون الاحتلال، وهو الحدث الذي أثار موجة غضب خاصة في طولكرم والقدس، وعكس أهمية قضية الأسرى لدى الفلسطينيين، وكشفت هذه الحادثة استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق المعتقلين الفلسطينيين في ظل غياب العدالة والمساءلة الدولية حول ظروف اعتقالهم ومعاناتهم اليومية داخل السجون.

دلالات وأبعاد للاهتمامات

يُظهر تحليل الاهتمامات المجتمعية على منصات التواصل الاجتماعي في المحافظات الفلسطينية خريطة تفاعلية متعددة الأبعاد تعكس عمق الانشغال الشعبي اليومي وتداخل العوامل النفسية والمعيشية والأمنية التي تُثقل كاهل المجتمع الفلسطيني، وتؤكد أن ما يتفاعل معه الجمهور لا ينفصل عن واقعهم الميداني، بل يعكس مستوى الوعي والارتباط بالهمّ الجمعي في صورته الأوسع، ومن أبرز الدلالات التي يمكن قراءتها:

أولًا: تصاعد الضغوط المعيشية والقلق الاقتصادي الجماعي، حيث برزت أزمة المحروقات ونقص الوقود وغلاء الأسعار وخصم أموال المقاصة كأكثر الملفات التي أثارت سخطًا وتفاعلًا جماهيريًا حادًا، وتكررت مؤشرات فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسة الرسمية المالية، وتحوّلت التفاعلات من مجرد تعبير عن الاستياء إلى مطالب واضحة بمحاسبة المسؤولين، وضبط السوق، وكشف الحقائق في ظل تصاعد الخوف من الانفجار المعيشي مع انعدام خطط الطوارئ الاقتصادية.

ثانيًا: الحضور الثابت للقضايا الرمزية وعلى رأسها قضية الأسرى والشهداء، إذ شكّل التفاعل مع استشهاد الأسير محمد عصاعصة امتدادًا طبيعيًا لحالة متجذّرة ترى في ملف الأسرى رمزًا للكرامة الوطنية والمعاناة الجماعية، ما يعكس استمرار حضور القضية في الشارع الفلسطيني حتى مع تزاحم القضايا الحياتية والخدمية الأخرى.

ثالثًا: تنامي الحساسية تجاه التجاوزات والانتهاكات الأمنية في الحياة اليومية، حيث أظهرت حوادث مثل اعتداء الشرطي في بيت لحم أو الشجارات المسلحة أو تعامل المواطنين مع الشظايا الصاروخية ردود فعل غاضبة عكست ازدياد وعي المجتمع الفلسطيني بحقه في الكرامة والحماية القانونية، كما سلطت ردود الفعل الضوء على هشاشة المنظومة الأمنية في بعض المناطق، وفجوة الانضباط والثقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين في ظل تصاعد التوتر العام.

رابعًا: تراجع الثقة الشعبية في رواية المؤسسات الرسمية بشأن الخدمات العامة والطوارئ، فقدبرزت تفاعلات واسعة تشكك في التصريحات الحكومية بشأن توزيع المحروقات أو الاستعداد الأمني والطبي لمواجهة الأزمات،وأظهر الجمهور سلوكًا ناقدًا متقدمًا عبر السخرية أو الاستفهام الجاد، مما يعكس فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي والتجربة اليومية للناس في الحصول على حقوقهم الأساسية.

خامسًا: تمثّلت القضايا الاجتماعية كمساحة جامعة تعكس قوة الروابط المجتمعية، حيث أظهرت التفاعلات الواسعة مع أحداث الوفاة المفاجئة والتهاني بالتخرج والدعاء لطلبة الثانوية العامة أن الفلسطينيين رغم التحديات اليومية لا يزالون يتمسكون بالروابط الاجتماعية والرمزية، ويجعلون من منصات التواصل أداة لتعزيز التضامن والدعم المعنوي، وهو ما يعكس ما تمثله هذه الموضوعات من إشباع لحاجات عاطفية وثقافية مجتمعية لا تقل أهمية عن السياسة والاقتصاد.

اهتمامات الجمهور السياسية

تتضمن اهتمامات الجمهور وتفاعلاته مع عدد من الموضوعات السياسية دلالات وتوجهات عدة، أبرزها:

  • العدوان على غزة: تواصل الاهتمام المكثف بالحرب الدائرة في القطاع، حيث شكّلت مشاهد المجازر والإعدامات الميدانية خاصة لمنتظري المساعدات مصدرًا للغضب الشعبي، خصوصًا مع استشهاد العشرات يومياً وعزل قطاع غزة رقميًا بفعل انقطاع الإنترنت، ما فاقم القلق على مصير السكان، وأثار مشاعر تعاطف واسعة، خاصة مع استشهاد الشيخ خالد الخياط، المحفظ للقرآن الكريم، الذي لاقى تفاعلًا كبيرًا.
  • الرد الإيراني على “إسرائيل” ضمن عملية “الوعد الصادق 3: حيث برز تفاعل واسع مع الضربة الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي بعشرات الصواريخ من طراز عماد وخيبر وقدر، ضمن ما سُمي بعملية “الوعد الصادق 3″، والتي طالت مناطق استراتيجية كتل أبيب وخليج حيفا وبني براك وأوقعت قتلى وجرحى وأضرارًا مادية قُدّرت بمليارات الشواقل، وقد اعتبرها الفلسطينيون انتقامًا رمزيًا لضحايا غزة وتحولًا نوعيًا في ميزان الردع، ورافق ذلك مشاهد احتفال وتعبيرات عن الفخر والشماتة، في لحظة اعتبرت كسرًا لصورة التفوق الإسرائيلي ودعمًا غير مباشر للمقاومة الفلسطينية.
  • التصعيد الإسرائيلي ضد إيران: تداول الجمهور عبر المنصات الرقمية تفاصيل الضربات الجوية الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية واغتيالات بعض قادة الحرس الثوري، وقصف طهران ومبنى الإذاعة، ما أثار قلقًا شعبيًا من توسع المواجهة واندلاع حرب إقليمية شاملة، وانعكاساتها المحتملة على الفلسطينيين.
  • إغلاق الضفة الغربية: تفاعل الجمهور منتقدا وغاضبا من إجراءات الاحتلال المتمثلة في تشديد الإغلاق على المدن والقرى عبر البوابات الحديدية والسواتر، ما سبب شللًا جزئيًا للحياة اليومية وزاد الشعور بالحصار والعزلة، وتم تداول مشاهد توثّق خطورة هذه الإجراءات مثل وضع جنودالاحتلال لقنابل يدوية تحت الحجارة لمن يحاول الاقتراب.
  • الاعتداء على المقدسات: أبدى الجمهور استياء وغضبا واسعا إثر منع صلاة الجمعة في المسجد الأقصى لأول مرة منذ جائحة كورونا، وإغلاقه بالكامل أمام المصلين، إضافة إلى استمرار إغلاق الحرم الإبراهيمي، ما اعتبره الناس تصعيدًا خطيرًا واستفزازًا مباشرًا للمشاعر الدينية، وحظي الموضوع بتفاعل كبير في بعض المحافظات.
  • عمليات المقاومة في غزة، والتي لاقت اهتماما في بعضهاخاصة تلك العملية النوعية أدت إلى مقتل ضباط من شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، وسط تعبير عن الفخر بها، فيما يلاحظ تراجع التفاعل مع عمليات المقاومة الأخرى وإطلاق الصواريخ خاصة تلك العمليات التي لا توفر مادة مصورة لها.
  • المجاعة في غزة: تصاعد التفاعل مع مشاهد مؤلمة من شمال القطاع توثق معاناة الناس في الحصول على الغذاء، وأطفال يأكلون الحشائش أو يبحثون عن فتات بين الرماد، ما ولّد موجة تعاطف وغضب من تقاعس الجهات الدولية والعربيةويتضح أن التفاعل كان مع قصص بحد ذاتها وليس مع عموم حالة المجاعة.
  • الانتهاكات في الضفة الغربية: تركزت اهتمامات الجمهور مع بعض أحداث الاقتحامات والاعتقالات، وعمليات الهدم والاعتداءات بالضرب، كما في حالة اعتقال الحاج العائد من مكة، أو إصابة فتى برصاص متفجر، حيث تركز التفاعل مع حالات بعينها وليس مع عموم الحالة وفي مناطق دون أخرى.
  • منع قافلة الصمود المغربية من الوصول لوجهتها: تداول الجمهور بصورة مكثفة منع السلطات المصرية دخول القافلة التضامنية القادمة من المغرب وترحيل النشطاء، ما أثار غضبًا شعبيًا واعتُبر عرقلة متعمّدة للتضامن مع غزة.
  • الوعي الشعبي بمخاطر التصعيد الإقليمي: التفاعل السياسي لم يقتصر على سرد الأخبار بل شمل تحليلات وتقديرات حول خطورة المواجهة بين إيران وإسرائيل، وظهور وعي واضح بخطورة الانجرار لحرب شاملة وتخوف من انعكاساتها الأمنية والاقتصادية على الشعب الفلسطيني.

ضعف الاهتمامات والتفاعل

موضوعات ضعف التفاعل

يُلاحظ أن أبرز الموضوعات التي شهدت ضعفا في التفاعل المشترك بين المحافظات تمثلت في المجاعة في قطاع غزة وارتفاع حالات سوء التغذية، والاعتداءات على الأماكن المقدسة بالاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وعلى رأسهم قادة الاحتلال، بالإضافة للإغلاقات التي شهدها المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي،  وعمليات المقاومة في غزة وأعمال المقاومة في الضفة كتفجير المنازل واستهداف الآليات العسكرية والمواجهات خاصة العمليات غير الموثقة، كما لوحظ ضع التفاعل مع اعتداءات الاحتلال في مدن الضفة كعمليات الهدم والاقتحامات المتواصلة وحملات الاعتقال والتنكيل بالمواطنين والتصعيد على الطرق والحواجز العسكرية فهي موضوعات يقتصر التفاعل معها على المحيط الجغرافي الضيق، كما أن تراجعا سجل في التفاعل مع الحرب على غزة رغم كثافة المجاز وتكررها  في رفح وخانيونس ودير البلح بسبب انشغال الجمهور بتصاعد الأحداث الإقليمية، فضلا عن ضعف التفاعل مع أوضاع الأسرى داخل السجون رغم حساسيتها وارتقاء أسير أو قمع الأسرى بشكل متواصل، إلى جانب تراجع التفاعل مع موضوعات أخرى مثل مباحثات وقف إطلاق النار، واعتداءات المستوطنين من حرق للممتلكات وتنكيل بالمواطنين.

أسباب ضعف التفاعل

  1. الانشغال بالتطورات الإقليمية: طغيان التصعيد الإيراني الإسرائيلي على الاهتمام الشعبي والإعلامي سحب الانتباه من قضايا محلية كبرى ، مثل المجازر في غزة أو الاعتداءات على المقدسات وحتى الانتهاكات الكبرى.
  2. غياب التوثيق الميداني لبعض الأحداث المهمة مثل عمليات المقاومة والانتهاكات اليومية، فالأحداث التي لم تترافق مع صور أو مقاطع مرئية تتأثر سلبا في حجم التفاعل معها تُعزز من الارتباط بالحدث.
  3. تشظي الحدث جغرافيًا: توزع الانتهاكات على مناطق متفرقة من الضفة قلل من التركيز والتفاعل المشترك، وجعل الاستجابة محلية أو محدودة النطاق، لا سيما وأن كل منطقة جغرافية مثقلة بالانتهاكات اليومية.
  4. غياب المتغيرات الدرامية: فالأحداث التي لا تتضمن تطورات مفاجئة أو تغييرات ملموسة في مجريات الأمور غالبًا ما تلقى استجابة فاترة.
  5. لم تحظَ بعض القضايا بزخم إعلامي كافٍ أو سرد مؤثر، ما حدّ من انتشارها وتأثيرها العاطفي.
  6. أسباب أخرى متعلقة بالإرهاق من كثرة الأحداث وتكرار المشاهد المأساوية والرقابة والخوف من التفاعل.

توصيات لوسائل الإعلام

في ضوء دراسة اهتمامات الجمهور وضعف اهتمامته تجاه مختلف الأحداث، نقدم في هذه الدراسة توصيات لوسائل الإعلام لأخذها بعين الاعتبار:

  1. التركيز على القصص الإنسانية والأمل

ينبغي على الإعلام إبراز قصص الصمود والمبادرات الفردية أو المجتمعية التي تُظهر قدرة الناس على التكيّف والمقاومة رغم الظروف، فتقديم نماذج لأشخاص واجهوا المحن بروح إيجابية يساعد في بناء وعي جمعي يعزز الثقة ويقلل من الإحباط العام. كما أن هذا النوع من القصص يثير تفاعلًا أوسع من الجمهور ويمنح القضية بُعدًا إنسانيًا يعمّق الانتماء.

  1. استخدام السخرية كأداة توعوية ومقاومة مجتمعية

تمثل السخرية الشعبية، سواء بصيغتها الساخرة أو الرمزية السوداء، أداة فعالة في العمل الإعلامي لما تحمله من قدرة على النفاذ إلى الوجدان الشعبي والتعبير عن القضايا بطرق غير مباشرة لكنها عميقة التأثير، ويمكن توظيف هذا الأسلوب في التوعية المجتمعية، خصوصًا في الحالات التي لا تُجدي فيها التحذيرات الرسمية، إذ تُسهم السخرية في تجاوز الحواجز النفسية وتسهيل تقبّل الرسالة. كما تُعد السخرية أسلوب مقاومة معنوية تُكسر من خلالها حالة الخوف والإحباط، وتُفتح نوافذ للتنفيس عن الغضب دون الانزلاق إلى خطاب عدمي أو تهكمي فارغ. لذلك، من الضروري أن يُوظف هذا الأسلوب ضمن حملات ذكية تراعي الوعي الجمعي وتدعم بناء موقف نقدي ومسؤول لدى الجمهور.

  1. إبراز أهمية التوثيق البصري والسرد القصصي

إن الاعتماد على الصورة والفيديو كوسائط رئيسية في نقل الأحداث يعد أمرًا ضروريًا، إذ تشير البيانات إلى أن المحتوى البصري يحظى بتفاعل مضاعف مقارنة بالنصوص المجردة. لذا يجب أن يُقدَّم الحدث بمزيج من السرد القصصي والتوثيق البصري ليصل إلى الجمهور بشكل مؤثر ويترك أثرًا طويل المدى في وعيه وسلوكه.

  1. تقديم خطاب يحفّز الفعل لا الشفقة

ينبغي أن يُصاغ المحتوى الإعلامي بطريقة تدفع الجمهور نحو التفاعل والمبادرة، لا أن تضعه في موقف المتفرج الحزين، فالمبالغة في تصوير المأساة دون فتح نوافذ للحل أو الفعل الجماعي يُقلّل من الطاقة التعبوية، لذلك، من الأفضل توظيف لغة تركز على “ماذا يمكن أن نفعل؟” بدلاً من “كم هي مأساوية الحال؟”.

  1. كسر النمطية في تغطية الأحداث السياسية والعسكرية

يجب تجديد أسلوب تناول القضايا السياسية والميدانية عبر تقديم زوايا تحليل جديدة، ومشاهد حصرية تُعرض لأول مرة، ومقابلات من قلب الحدث. هذا التغيير يكسر الملل ويعيد إحياء التفاعل، خصوصًا مع الأحداث المتكررة التي بات الجمهور يشعر أنها متوقعة ومستهلكة.

  1. توظيف الرموز الأخلاقية في السرد

استخدام القصص الرمزية التي تجسد مواقف أخلاقية واضحة، كرفض الشهادة الزور أو تضحيات الأم لأجل أطفالها، يشكّل ركيزة مهمة لبناء خطاب إعلامي مؤثر، كما تُحفّز هذه القصص الجمهور على التفاعل لأنها ترتبط بالقيم العليا والضمير الجمعي، ما يجعلها أدوات فعالة في دعم التماسك المجتمعي والدعوة للانخراط الإيجابي.

  1. ربط الأخبار اليومية بسياقات أوسع

تقديم الأخبار ضمن إطار سردي أكبر يتصل بقضايا مثل السيادة والعدالة والانتماء الوطني يُسهم في رفع التأثير. الحدث المجرد يفقد الكثير من معناه ما لم يُربط بقيم عليا، وهو ما يزيد من قدرة الجمهور على تفسير الواقع وتشكيل موقف واعٍ منه.

  1. اعتماد لغة إنسانية في تغطية أخبار غزة

يجب الابتعاد عن اللغة الجافة والانتقال إلى أسلوب يركّز على القصص الفردية، مثل شهادة طفل، أو رسالة من تحت الأنقاض. هذه اللغة تحفّز العاطفة وتجعل الحدث أكثر إنسانية، ما يدفع الجمهور للتعاطف والتحرك لا مجرّد التلقي السلبي.

  1. تغليب السرديات الشخصية على الطرح العام

القصص الفردية التي تُظهر أثر المعاناة على إنسان محدد تتفوق في التفاعل على الطروحات العامة. لذلك، ينبغي الانتقال من الحديث عن “الانتهاكات” إلى الحديث عن “فلان الذي فقد بيته”، وهو ما يجعل الجمهور يرى نفسه في القصة ويتفاعل بوجدان أكبر.

  1. تقديم محتوى قريب من الحياة اليومية

تغطية الأحداث بأسلوب يلامس حياة الناس اليومية، مثل أزمة الخبز أو نقص الوقود، يجعل الإعلام أقرب إلى الجمهور. ومن الضروري أن يتم ذلك بموازنة بين التحليل العميق وسهولة الفهم، لتكون الرسالة واضحة وقادرة على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة.

الخاتمة

يتّضح من تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني على منصات التواصل أن المزاج الرقمي يعكس كيفية تفاعل الجمهور الفلسطيني مع القضايا المتنوعة، في ظل مشهد سياسي وأمني واجتماعي مأزوم، فالقضايا الاقتصادية والمعيشية، لا سيما أزمات الوقود والرواتب واحتكار التجار، تصدّرت اهتمامات الناس، وعكست هشاشة الأمان الاقتصادي وغياب الثقة في إدارة الأزمات، ما عمّق مشاعر الغضب والخذلان. في المقابل، ظلّت القضايا الإنسانية والاجتماعية تشكل رافعة مهمة للتضامن الشعبي، حيث أظهرت منصات التواصل مشاهد متكررة من التفاعل الوجداني مع حالات الحزن الجماعي، ما يكشف استمرار فعالية الروابط الاجتماعية والعائلية كملاذ وجداني في وجه التفكك السياسي. كما مثلت السخرية أداة مقاومة نفسية، لجأ إليها الجمهور لتفريغ مشاعر العجز، والتعامل مع القلق المزمن من خلال الفكاهة والتهكم، خصوصًا في قضايا الأمن والتصعيد.

برز أيضًا بعدٌ سياسي مركّب في التفاعل الشعبي، حيث توزعت الانفعالات بين الفخر بإنجازات المقاومة أو الردود الإيرانية، وبين القلق من التصعيد العسكري، بما يعكس وعيًا سياسيًا متقدّمًا يمتزج بالحذر من التداعيات. في الوقت ذاته، كشف ضعف التفاعل مع قضايا مثل الأسرى أو اقتحامات الأقصى عن إرهاق جماعي ناتج عن التكرار وغياب التوثيق الإنساني والبصري، ما يؤشر إلى تحوّل عميق في نمط الاستجابة الشعبية، واشتراطها لسرديات ملموسة ومؤثرة.

كما أظهرت الدراسة فجوات واضحة في التفاعل بين المحافظات، ما يدل على أن مركزية التفاعل لم تعد تتحدد فقط بطبيعة الحدث، بل بمدى تمثيله لمشاعر الجمهور المحلي وارتباطه بسياقه الجغرافي. بالمثل، لم تعد القضايا الأمنية تُقرأ كحوادث فردية، بل كمؤشرات على تفكك الحماية الجماعية، واتساع الفجوة بين المواطن والمؤسسة الأمنية، ما أدى إلى تشكّل حالة من القلق والانكشاف.

أخيرًا، توضح هذه القراءة أن المزاج العام الفلسطيني ليس حالة ثابتة، بل هو نتاج تفاعل دينامي بين الأمل والألم، الفخر والإحباط، السخرية والغضب، ما يفرض على الإعلام أن يعيد التفكير في أدواته وخطابه، لينتج سرديات أكثر التصاقًا بالناس، وأكثر صدقًا في التعبير عنهم، بما ينعكس في محتوى يُجدد الثقة ويعيد الاعتبار للقضايا الوطنية والاجتماعية في زمن الانقسام والتراجع.

* اعتمدت هذه الدراسة الوصفية على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية، وذلك خلال فترة زمنية امتدت لأسبوع كامل. تم اختيار عينة مكوّنة من ست محافظات فلسطينية تمثل التوزيع الجغرافي للمجتمع الفلسطيني (الوسط، والشمال، والجنوب)، وهي: رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل،وطولكرم، وبيت لحم. كما تم اعتماد الرصد اليومي المنتظم لتفاعلات المستخدمين مع الموضوعات والقضايا المتداولة على المنصات الرقمية، من خلال متابعة عدد من الصفحات والمنصات الأكثر تأثيرًا ونشاطًا في كل محافظة، والتي تم اختيارها بناءً على حضورها المجتمعي وتفاعل الجمهور معها، ورصد القضايا والموضوعات الأكثر تفاعلا من قبل الجمهور.