قراءة في تفاعلات الناس حول أزمة جسر الكرامة: غضب شعبي ودعوات للمقاطعة

إعداد مركز مقاربة للدراسات الإعلامية

النص بصيفة pdf هنا

تمهيد

منذ مطلع تموز/يوليو 2025، تصدّرت أزمة السفر عبر جسر الملك حسين (الكرامة) واجهة الاهتمام الشعبي في الضفة الغربية، مع تفاقم الازدحام للمسافرين القادميين للضفة الغربية، وارتفاع أسعار التذاكر إلى مستويات غير مسبوقة، بعد استحداث الأردن لآليى سفر جديدة تمثلت في إطلاق منصة للحجز الإلكتروني المسبق للمسافرين المغادرين منها إلى الضفة لكي يتمكنوا من استخدام الحافلات الأردني التي تقلهم إلى الجانب الإسرائيلي، حيث تم شارء الحجوزات وبيعها في السوق السوداء ما يعني عدم تمكن المسافرني من الحجز الإلكتروني.

عقب هذه الأزمة التي أدت إلى تكدس المسافرين على الجسر، برزت اتهامات بانتشار السوق السوداء وتواطؤ جهات رسمية في إدارة المنصة الإلكترونية للحجز، وبالرغم أن هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها، لكنها كشفت هذه المرة عن مستوى غير مسبوق من الاحتقان الجماهيري، حيث تحولت من معاناة موسمية إلى صرخة جماعية ضد الإذلال الممنهج والاستغلال المالي والنفسي الذي يتعرض له المسافر الفلسطيني على معبر يُفترض أن يكون بوابةً للحياة.

مع تصاعد الأزمة، برز عبر آلاف التعليقات والمنشورات عبر المنصات الرقمية وعي لدى الجمهور، يربط المعاناة بالواقع السياسي القائم، ويسارع إلى التحليل والمناقشة وطرح الحلول والبدائل. من خلال هذه الورقة نقدم قراءة تحليلية لاتجاهات الجمهور الفلسطيني من الموضوع عبر رصد تفاعله من خلال التعليقات.*

تفاعلات الجمهو ر  مع الموضوع

تعكس تعليقات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات الجمهور الفلسطيني حول القضية، وتتضمن هذه التعليقات التوجهات الآتية:

أولا: تحميل المسؤولية للجهات الرسمية الأردنية والفلسطينية وسوء الإدارة

تعكس التعليقات شعورًا عامًا بأن الجانبين الأردني والفلسطيني يتحملان مسؤولية كبيرة في تفاقم الأزمة، وقد تم توجيه انتقادات حادة لضعف التنسيق، وسوء الإدارة، وقصر ساعات العمل، بالإضافةِ  لتعليقات تطالب بتمديد الدوام إلى 24 ساعة. كما وعبر الجمهور عن استيائه من غياب الدور الفعّال للسفارة الفلسطينية بالأردن والوزارات. ومن الأمثلة على التعليقات: “وين سفيرنا في عمان؟ من أول ما استلم ما سمعنا له صوت!”، و”الداخلية الفلسطينية لا بتقيم ولا بتحط، شو بتتفق عليه الأردن واليهود بصير”.

ثانياً: استغلال الأزمة والتمييز

أبرزت تعليقات الجمهور غضبًا من ظاهرة بيع التذاكر بأسعار فاحشة في السوق السوداء، خاصة من قبل بعض مكاتب السياحة وشركات النقل في عمان، حيث أُشير إلى أن سعر التذكرة قد يصل إلى أكثر من 60 دينارًا بدلًا من 7دنانير،  مثال: “الناس عم بتشتري التذكرة بـ70 دينار، وهي سعرها 7!”، و”هذه مافيات حرب وتجار دم”.

كما عبر كثيرون عن استيائهم من أن خدمة VIP أصبحت وسيلة لاستغلال الناس في ظل الضغط والأزمة التي يشهدها الجسر، حيث تُفرض أسعار باهظة دون تقديم خدمات نوعية، ما زاد الإحساس بالطبقية والتمييز، مثال: “دفعت 260 دولار ووقعوني على الأرض”، و”في VIP ليش؟ إذا السفر العادي صار إذلال والتكلفة نفسها”.

ثالثاً: دعوات للحلول والإصلاحات والمقاطعة

كرر جزء من المعلقين دعوات مقاطعة الجسر لمدة أسبوع أو أكثر بهدف الضغط على الجهات المعنية لإيجاد حلول واقعية، معتبرين أن السفر في هذا التوقيت بالذات بات وسيلة لابتزاز الفلسطينيين، مثال: “لو قاطعوا السفر أسبوع واحد بس، بشوفوا كيف بتترجوهم ييجوا”، و”الحل بإيدنا، ما حدا يسافر إلا للضرورة القصوى”.

كما خرجت العديد من الأصوات تطالب بفتح الجسر على مدار الساعة خلال موسم الصيف، مؤكدين أن ذلك سيخفف من حدة الأزمة، إلى جانب إصلاح نظام الحجز الإلكتروني عبر ربطه بجواز السفر أو رقم الهوية لمنع التلاعب. مثال: “افتحوا الجسر 24 ساعة وكل شي بينحل”، و”لازم الحجز يكون برقم الجواز مش كل واحد يحجز لعيلته ويبيع بالسوق السودا”.

وبرزت دعوات ومكررة كفتح معبر الأمير محمد أو إنشاء مطار فلسطيني بديل، كحل عملي وجذري لإنهاء اعتماد الفلسطينيين على جسر الملك حسين والجانب الاردني وما يترتب عليه من استغلال ومعاناة.مثال: “لو في مطار بفلسطين كان الأردن أول المعترضين لأن الجسر مصدر دخل”.

كما عكست بعض التعليقات إحساسًا بالخذلان من مشهد الانتظار في الحرّ، وسوء المعاملة، وقلة الخدمات (كالماء، والحمامات، والتهوية)، والمماطلة في الإجراءات. فالمطالب تركزت على احترام كرامة الناس وتوفير الحد الأدنى من الراحة هم.مثال: “الناس واقفة بالشمس وبتلطم”، و”المعبر صار جهنم، وين الإنسانية؟”.

كما استذكر الجمهور أزمات سابقة مشابهة، مثل أزمة عام 1991، عندما اضطر الناس إلى العزوف عن السفر مما أدى إلى تحسينات فورية، في محاولة منهم  لاستحضار دروس الماضي كحلول للأزمة الحالية وأداة للمطالبة بالتغيير. مثال: “بسنة 91 الناس ما سافرت أسبوع، اضطروا يزيدوا الدوام”، و”إحنا بنتذكر عيشة الذل من التسعينات”.

عبّر عدد من المعلقين عن توجه ناقد للذات، معتبرين أن جزءًا من الأزمة ناتج عن تقبّل الناس للواقع واستسلامهم للظروف الصعبة دون احتجاج فعلي. ورأى البعض أن استمرار السكوت على الإهانة وسوء المعاملة يجعل الجهات المسؤولة تتمادى في استغلال المسافرين. لذلك، دعوا إلى كسر حالة الصمت ورفض الذل بدلًا من التعايش معه.مثال: “بنستاهل الذل طالما إحنا ساكتين”، و”شعب بيشتري التذكرة بـ100 دينار، طبيعي يتمسخروا عليه”.

دلالات التوجهات

تتجاوز ردود أفعال الجمهور الفلسطيني إزاء الأزمة على جسر الملك حسين حدود الاستجابة العفوية، لتصبح مؤشراً يبرز  عدة دلالات رئيسية:

أولاً: تآكل الثقة بالمؤسسات الرسمية وتوسيع دوائر الاتهام لها، من خلال ما تظهره التعليقات من شكوك متصاعدة تجاه الجهات الرسمية الفلسطينية والأردنية على حد سواء، حيث وُجهت انتقادات مباشرة للسلطة، والسفارة، ووزارة النقل، وشركة “جت”، ما يعكس تصورًا عامًا بأن هذه الجهات متواطئة أو عاجزة عن الدفاع عن كرامة المواطن الفلسطيني.

ثانياً: حضور خطاب الكرامة، إذ لم تقتصر الانتقادات على بُعد خدمي أو تنظيمي، بل تمحورت حول مفاهيم الإهانة والذل والإذلال، ما يعكس وعيًا بأن ما يجري على الجسر يمس جوهر الكرامة الوطنية، ويعبّر عن حالة انسحاق رمزي وسياسي يتجاوز البعد المادي للأزمة.

ثالثاً: الانتقال من التذمر إلى الدعوة للمقاطعة الطوعية لشركة “جت” ورفض شراء التذاكر بأسعار مبالغ فيها، إضافة إلى مطالبات بوقف السفر كوسيلة ضغط.

رابعاً: نقد ذاتي ومساءلة مجتمعية داخلية ولومًا للناس أنفسهم على استمرار الأزمة، عبر القبول بالواقع وشراء التذاكر رغم الاستغلال، في كسر لثقافة الصمت والتطبيع مع الذل.

خامساً: الإدراك التراكمي بأن الأزمات الخدمية مرآة لأزمات أعمق، وامتداد لحالة عامة من الانهيار السياسي والإداري والخذلان العربي، خصوصًا في ظل الحصار وتداعيات العدوان على غزة، ما يربط الواقع اليومي بالخلفية السياسية الأوسع.

سادساً: الانفتاح الجماهيري على بدائل استراتيجية خارج الأطر التقليدية من خلال مطالبة بعض الأصوات بالحق في مطار فلسطيني ومعابر  أخرى بديل.

الخاتمة

يتضح أن المزاج الشعبي الفلسطيني إزاء أزمة جسر الملك حسين، بكل ما حملته من مظاهر يكشف  عن مستوى عالٍ من الاحتقان الشعبي، لكنه احتقان لا يقف عند حدود الغضب اللحظي، بل يتجاوزها نحو بلورة وعي جماهيري جديد يرفض الصمت والتطبيع مع المعاناة، ويطالب بالكرامة والعدالة والمحاسبة. فالتعليقات التي رصدت في هذا السياق لا تعبّر فقط عن ضيقٍ بأزمة عابرة، بل تشير إلى تحولات أعمق في المزاج العام الفلسطيني، تتجلى في فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية، وانتقاد الأداء الحكومي، والميل إلى تحميل المسؤولية، وطرح بدائل وخيارات شعبية وجذرية.

إن أزمة الجسر هي مرآة لأزمات أوسع يعانيها الفلسطينيون في مختلف جوانب حياتهم، ما يتطلب خطابًا إعلاميًا يتسم بالشجاعة والمهنية، ويرتكز على تعزيز الوعي الجمعي، ويواكب تطلعات الناس نحو التغيير والكرامة والعدالة، بدلًا من التغطيات السطحية أو التبريرية التي تُفاقم فجوة الثقة بين الجمهور والمؤسسات.
فهذه المؤشرات تفرض على وسائل الإعلام مسؤولية نوعية تتجاوز نقل الوقائع، لتتمثل في مرافقة هذا الوعي الشعبي الصاعد، وتقديم تغطية تحترم عقل المتلقي، وتُعلي من صوته، وتعزز من مفاهيم المساءلة والحقوق، كما أن عليها أن تتعامل مع الأزمات لا بوصفها أحداثًا طارئة، بل كبوابة لفهم أعمق للسياق السياسي والاجتماعي، وتغذية حوارات عامة حول جذور الأزمات وسبل الخروج منها.

* اعتمدت هذه القراءة الوصفية على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية حول القضية، معتمدة على تعليقاتهم على المنشورات الخاصة بالقضية، حيث شملت العينة عددا من المنصات على فيس بوك وتلغرام وصفحات إذاعات محلية وحسابات تيك توك وانستغرام وغيرها، فضلا عن تنوع المنصات بين المحلية على مستوى المحافظات وعلى مستوى الوطن. تم اختيار عينة مكوّنة من ست محافظات فلسطينية تمثل التوزيع الجغرافي للمجتمع الفلسطيني (الوسط، والشمال، والجنوب)، وهي: رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل،وجنين وطولكرم، وبيت لحم، إضافة لمجموعة من المنصات على مستوى الوطن وهي الأكثر تأثيرًا ونشاطًا.