إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية
لتحميل التقرير هنا
مقدمة
يشهد المشهد السياسي والأمني في إسرائيل حالة من الانقسام الحاد حول مستقبل الحرب على غزة، خاصة في ظل تزايد الضغوط الداخلية للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” في 9 مارس أن 73% من الإسرائيليين يؤيدون التفاوض لإنهاء القتال مقابل استعادة الأسرى، وهو ما يعكس تحوّلًا ملحوظًا في الرأي العام، حتى بين أوساط اليمين وناخبي حزب الليكود. وقد ازدادت حدة هذا الجدل بعد نشر المقاومة الفلسطينية مقطع فيديو يظهر أسيرين إسرائيليين يناشدان زملاءهم السابقين الذين أُطلق سراحهم لكسر الصمت والتحدث عن معاناة الأسرى، مما زاد من الضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية. في هذا السياق، تتباين مواقف المسؤولين الإسرائيليين، حيث يعتبر بعض القادة العسكريين أن استمرار الحرب يعكس “انعدامًا مطلقًا للمسؤولية”، بينما يصر آخرون، وعلى رأسهم وزير الجيش يسرائيل كاتس، على ضرورة تحقيق “الحسم العسكري”.
يسعى هذا التقرير إلى تحليل التصريحات التي أدلى بها المسؤلون الإسرائيليون مؤخرا حول الأحداث الساخنة وعلى رأسها استئناف الحرب على غزة وصفقة التبادل.
تصريحات المسؤليين الإسرائيليين
بدأت الحرب على قطاع غزة اكتوبر 2023 وسط إجماع إسرائيلي على تحقيق أهدافها، غير أننا نشهد بعد أكثر من عام ونصف تحولات كبيرة في المشهد الإسرائيلي وصل عميقا في مواقف متباينة للقايادات السياسية والعسكرية، حيث يظهر تحليل تصريحات المسؤليين الإسرائيليين حالة من الانقسام العميق داخل المؤسسات السياسية والعسكرية.
عمق الانقسام الداخلي والخلافات السياسية
تصريحات العديد من المسؤولين، مثل بيني غانتس، إيهود أولمرت، يائير لبيد، وموشي يعلون، تعكس قلقًا عميقًا من الانقسام الداخلي الذي يهدد استقرار إسرائيل. يتحدث غانتس عن أن “إسرائيل في خطر بسبب الانقسام الداخلي”، بينما يرى أولمرت أن “أسس الدولة تهتز”، ويذهب يعلون إلى أبعد من ذلك بوصف حكومة نتنياهو بأنها “حكومة خراب الهيكل الثالث”.
هذا الخطاب يعكس تشكيكًا متزايدًا في قيادة نتنياهو، مع اتهامات بأنه يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى تجاهل الأولويات الأمنية أو إشعال حرب أهلية، وأن استمرار نتنياهو بالحكم يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل،
التحذيرات من حرب أهلية
تشير تصريحات رئيسي وزراء سابقين مثل أولمرت، وباراك، والرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ وغيرهم إلى أن الاستقطاب الداخلي بلغ مرحلة خطيرة تهدد إسرائيل بحرب أهلية، وأن إسرائيل تقترب من “قطار خرج عن مساره”، فيما أشار رئيس المحكمة العليا سابقا القاضي أهارون باراك صراحة إلى أن الشرخ الاجتماعي أصبح خطيرًا جدًا، وقد يؤدي إلى صدامات دموية بين الإسرائيليين.
الحرب على غزة وأولويات الحكومة
هناك انقسام واضح بين القيادات العسكرية، بين من يرون أن استعادة الأسرى يجب أن تكون الأولوية، وبين من يدفعون نحو استمرار الحرب. فالقادة العسكريون مثل غادي شمني، عاموس يدلين، غيورا آيلاند، أليعيزر ماروم وغيرهم أكدوا أن استمرار الحرب ليست وسيلة فعالة لاستعادة الأسرى، وأن الحل الحقيقي يكمن في المفاوضات.
غادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق، والذي يتمتع بخبرة عسكرية واستراتيجية تجعله أكثر ميلاً للتوازن بين القوة العسكرية والحلول السياسية، وغيورا آيلاند، المسؤول الأمني السابق المعروف بمواقفه المتشددة وتحليلاته الاستراتيجية، يرى أن الحرب تعكس “انعدامًا مطلقًا للمسؤولية”، ووصف استئناف القتال بأنه “خيانة للأسرى والجنود”، بينما يرى وزير الجيش الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس أن “الحسم العسكري” هو الحل.
من جهتها، تدعو تصريحات غانتس وهرتسوغ صراحة إلى إعطاء الأولوية لاستعادة الأسرى وليس الاستمرار في القتال.
كما توضح التصريحات العسكرية، مثل تصريح قائد فرقة غزة السابق غادي شمني، أن الضغط العسكري لم يحقق الهدف الأساسي وهو إعادة الأسرى، ما يشير إلى أن الخيار العسكري لم يكن الأكثر نجاعة.
الصراع بين الحكومة والقضاء والاقتصاد المتأزم
إلى جانب الخلافات حول الحرب، يرز صراع متزايد بين الحكومة والجهاز القضائي، حيث هاجم مسؤولون مثل شلومو كرعي وإيتمار بن غفير النظام القضائي ورئيس الشاباك، متهمين إياه بالتآمر ضد الحكومة. في المقابل، أكدت شخصيات مثل أفيغدور ليبرمان على ضرورة احترام قرارات المحكمة العليا، بل هدد ليبرمان بالسعي لإقالة نتنياهو إذا لم يتم ذلك.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتعرض الحكومة لانتقادات حادة من المعارضة، التي تصف الميزانية بأنها “ميزانية سارقين”، متهمة إياها بتوجيه الأموال لضمان بقائها السياسي بدلاً من دعم الأولويات الحقيقية مثل إعادة الأسرى وتحسين الوضع الاقتصادي.
يظهر الخطاب العام أن دولة الاحتلال تواجه أزمات مركبة تشمل صراعًا على السلطة، وخلافات غير مسبوقة داخل المؤسسة العسكرية، وتشكيكًا في القيادة، وتصاعدًا في الانقسام الداخلي. هذا الانقسام يضعف موقفها في مواجهة التحديات الأمنية ويزيد من تعقيد التعامل مع ملف غزة والأسرى.
دلالات ارتفاع التأييد للتفاوض والانسحاب من غزة
كشف استطلاع الرأي الذي أجراه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” تحوّلًا مهمًا في المزاج العام الإسرائيلي تجاه الحرب على غزة، خاصة مع وصول نسبة التأييد للتفاوض إلى 73%. ، فضلا عن تصاعد حدة الخلافات عقب نشر المقاومة الفلسطينية لفيديو لأسيرين إسرائيليين يناشدان زملاءهم الذين تم إطلاق سراحهم سابقًا بكسر الصمت، والتحدث عن معاناة الأسرى الإسرائيليين في غزة. ويلاحظ في هذا السياق الآتي:
- تراجع الدعم الشعبي لاستمرار الحرب، فرغم الخطاب الرسمي المتشدد للحكومة الإسرائيلية، بات المجتمع الإسرائيلي أكثر ميلاً لحل دبلوماسي، خاصة في ظل تعثّر الأهداف العسكرية، والخسائر المتزايدة في صفوف الجيش الإسرائيلي، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.
- انقسام داخلي داخل معسكر اليمين، من اللافت أن 56% من الإسرائيليين اليمينيين و62% من ناخبي الليكود يؤيدون التفاوض، ما يشير إلى أن حتى القاعدة التقليدية لنتنياهو بدأت تدرك أن الاستمرار في الحرب قد لا يكون في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد.
- تزايد الضغوط على حكومة نتنياهو: هذه التغييرات تزيد من الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يواجه تحديات سياسية داخلية وخارجية، خاصة مع استمرار التظاهرات المناهضة له، والانقسامات داخل حكومته اليمينية المتشددة.
فيديو الأسرى الإسرائيليين و الرأي العام الرسمي والشعبي
إن نشر المقاومة الفلسطينية مقطع فيديو للأسيرين الإسرائيليين المناشدين زملاءهم بكسر الصمت وتسليط الضوء على معاناة الأسرى في غزة يشكل تطورًا إعلاميًا ونفسيًا مؤثرًا في مسار التفاوض والحرب، ويمكن رصد تأثيره في عدة جوانب:
- تزايد الضغوط على الحكومة لإتمام صفقة تبادل أسرى: هذا النوع من الفيديوهات يحرج القيادة الإسرائيلية أمام الجمهور، خاصة عائلات الأسرى الذين بدأوا بممارسة ضغوط أكبر من أجل إنهاء الحرب مقابل استعادة أبنائهم.
- تعميق الانقسام الداخلي بشأن الحرب، حيث أظهرت ردود الفعل مزيدًا من الاستقطاب بين من يؤيدون استمرار الحرب لتحقيق “النصر”، ومن يعتبرون أن إنهاء القتال بات ضرورة إنسانية وسياسية، وهذه المشاهد قد تؤدي إلى تعميق الانقسام بين الطرفين.
- تحول في الخطاب الإعلامي: يمكن ملاحظة تغير في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية التي بدأت تتناول قضية الأسرى بقدر أكبر من التعاطف، وهو ما قد يزيد من الضغط الشعبي على حكومة نتنياهو لإيجاد حل سريع.
الخاتمة
تكشف هذه التطورات عن تحول ملحوظ في الموقف الإسرائيلي، حيث تزايدت الدعوات لإنهاء الحرب من قطاعات واسعة من المجتمع، بما في ذلك اليمين. كما أن نشر فيديو الأسرى عزّز هذا التوجه، مما يزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام اتفاق تبادل أسرى والتوصل إلى وقف إطلاق نار. لكن السؤال الأهم الآن: كيف سيتعامل نتنياهو مع هذه الضغوط في ظل تراجع شعبيته وتهديدات من داخل معسكره السياسي؟


