اهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية: تفاعلات مع القضايا المعيشية والدينية والقصص الفردية المتعلقة بالحرب على غزة

إعداد: مركز مقاربة للدراسات الإعلامية والاستشارية

لتحميل التقرير هنا

ملخص

تهدف الدراسة إلى تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني على المنصات الرقمية خلال الفترة من 23-29/5/2025، لفهم أولوياتهم واهتمامتهم، معتمدة على منهجية الرصد والتحليل. وأظهرت الدراسة أن الجمهور الفلسطيني يميل للتفاعل مع القضايا الدينية، والقصص الفردية المؤثرة، والهموم المعيشية، مقابل ضعف في التفاعل مع القضايا الوطنية الكبرى رغم أهميتها، نتيجة عوامل مثل التكرار والإنهاك العاطفي وضعف الثقة بالمؤسسات وغياب الأثر المباشر. كما كشفت عن فجوة بين المواطن والفاعلين السياسيين، يقابلها توجه نحو رموز بديلة تمنح شعورًا بالأمل والانتماء.

توصي الدراسة بضرورة بناء سردية وطنية جامعة، وتعزيز المحتوى الرقمي المشترك، وإعادة توجيه الإعلام نحو تغطية متوازنة، إضافة إلى دعم مبادرات رقمية تفاعلية، وتطوير أدوات تعبير حقوقية أكثر جاذبية وفاعلية.

 

تمهيد

تُعد اهتمامات الجمهور الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي مرآة عاكسة لمشاعره الجماعية، وتوجهاته النفسية، وأولوياته اليومية في ظل واقع سياسي واجتماعي مركّب. وتُظهر التفاعلات الرقمية كيف يتعامل الناس مع الأحداث المختلفة، وما الذي يُثير حماستهم، أو يُحبطهم، أو يُحرك فيهم مشاعر التضامن أو الغضب أو التجاهل.

تركّز هذه الدراسة على تحليل اهتمامات الجمهور الفلسطيني في القضايا المتنوعة خلال فترة زمنية امتدت لأسبوع كامل*، موزعة على ثلاثة محاور رئيسية هي: القضايا المختلفة محل اهتمام الجمهور، والقضايا السياسية، وموضوعات ضعف التفاعل الشعبي.

كما تسعى الدراسة إلى تقديم فهم معمق لدوافع التفاعل أو غيابه، من خلال تحليل البُعد الجغرافي والنفسي والوجداني في تفاعل الجمهور، مع تقديم توصيات إعلامية تساعد في تعزيز الوعي والتفاعل، وتحسين أداء أدوات الخطاب الإعلامي تجاه القضايا الوطنية والمجتمعية.

 

 

اهتمامات الجمهور في القضايا المختلفة

تعكس اهتمامات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات الجمهور الفلسطيني حول مختلف القضايا التي تشغله، ويمكن تصنيف هذه القضايا وفق الآتي:

القضايا الاجتماعية

  1. القضايا الدينية

حظيت القضايا الدينية باهتمام كبير، تجلى في تغطية سفر الفوج الثاني لأداء مناسك الحج وتداول مشاهد توديع الحجاج، إضافة إلى الحضور البارز لموضوع صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وما يعكسه من ارتباط ديني ووطني بالمقدسات، خاصة في ظل اقتحامات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى، حيث بدى التفاعل مع اقتحامات مئات المستوطنين للمسجد الأقصى ورفع الأعلام الإسرائيلية بالقرب من باب العامود بمشاركة بن غفير، رغم تراجع زخم التفاعل بسبب التكرار، حيث لا يمكن تعميم التفاعل مع الاقتحامات شبه اليومية للأقصى، إلا أن المناسبات الكبرى والمستفزة تستثير المشاعر الدينية والوطنية.

  1. القضايا الاجتماعية

برزت بقوة من خلال تداول واسع للتعازي، والدعاء للمصابين، ورثاء شخصيات عامة، والمشاركة في مراسم العزاء، ما يعكس التماسك المجتمعي وعمق الروابط الاجتماعية. كما لقيت القصص الإنسانية الفردية مثل تكريم شخصيات تربوية، أو قصص البرّ بالوالدين اهتمامًا خاصًا، مما يدل على تقدير الجمهور للقيم الأخلاقية والانتماء العائلي.

  1. القضايا الاقتصادية

أبدى الجمهور اهتمامًا كبيرًا بتقلبات الأسعار (الطحين، واللحوم، والذهب)، وعروض التسوق (عروضات العيد، والسيارات الكهربائية)، وسلوك التجار (إتلاف الكوسا). وقد عكست هذه المواضيع انشغالًا شعبيًا بالأوضاع المعيشية اليومية، خاصة في ظل الغلاء وغياب حلول تنظيمية من السلطات، مما ولّد مشاعر بين الأمل والإحباط.

  1. القضايا الأمنية

تناولت التفاعلات مواضيع مثل القبض على سائق متهور، وجرائم القتل مثل قتل مواطنة وجنينها وإحراق جثتها، مما أظهر حساسية المجتمع تجاه الأمن الشخصي وتدهور حالة السلم الأهلي، إضافة إلى الدعوات المتكررة لتطبيق القانون وردع الظواهر الخطرة.

  1. القضايا الصحية والطبية

حظيت الموضوعات الصحية باهتمام الجمهور، كافتتاح طبيب متقاعد عيادة بأسعار رمزية أو انقاذ ممرضة  لمصاب، وأيضًا مأساة الواقع الطبي في غزة واستشهاد الطواقم الطبية. أظهر الناس تعاطفًا كبيرًا مع كل مبادرة تضع حياة الإنسان فوق الربح، وأدانوا في المقابل تدهور الخدمات الصحية وانعدام الحماية للعاملين في المجال الطبي.

  1. قضايا الحوادث

أثارت حرائق المنازل، وحوادث السير، وسقوط ضحايا في أماكن العمل مشاعر حزن وتعاطف وغضب، حيث تم تناولها عبر محافظات متعددة، وعكست هذه التفاعلات الخوف الشعبي من تدهور البنية التحتية وغياب إجراءات السلامة، وخاصة مع تكرار الحوادث وارتباطها بالأطفال والشباب.

 

دلالات وأبعاد للاهتمامات

تشير اهتمامات الجمهور الفلسطيني في القضايا إلى تمسك واضح بالهوية الدينية والاجتماعية كمرتكزات نفسية ومعنوية في ظل أزمات متراكمة، فالتفاعل الواسع مع مناسك الحج، والمسجد الأقصى، والدعاء في أوقات الأزمات، يعكس لجوءًا جماعيًا إلى الدين والتماسك الروحي، في ظل غياب الأمل بالمؤسسات أو المسارات السياسية الفاعلة. كما أن الرمزية الدينية هنا تُستخدم ليس فقط للانتماء، بل أيضًا كتعويض عن العجز الميداني أو الانكسارات العامة.

من جانب آخر، تُظهر القضايا الاجتماعية والإنسانية حساسية مجتمعية عالية تجاه مشاعر الحزن، والفقد، والوفاء والتفاعل مع الوفيات، وحالات التعزية، أو القصص الفردية (مثل إصابة طفل أو تكريم أم أو إنقاذ شاب) ويكشف عن حاجة الجمهور للتماهي الإنساني والشخصنة، في مقابل فتور التفاعل مع القضايا الجماعية المعقدة. كما يعكس ذلك استمرار قوة القيم الاجتماعية مثل التضامن، والبرّ، والرحمة، كمصادر بديلة للدعم والانتماء في ظل ضعف السلطة القائمة.

أما التفاعل مع القضايا الاقتصادية، فيُبرز انشغالًا شعبيًا بالهمّ المعيشي المباشر، ويظهر ذلك في الاهتمام بعروض التسوق، وأسعار المواد الغذائية، وانخفاض الدخل، بما يدل على أن الأولوية الوجدانية للجمهور باتت متمحورة حول البقاء وتأمين الضروريات. في المقابل، يعبّر الغضب من الاحتكار أو فشل الاحتجاجات عن إحباط من غياب العدالة الاقتصادية، وتراجع الثقة بالسياسات الرسمية في ضبط السوق.

تأتي الحوادث اليومية كمرآة لمخاوف وجودية متصاعدة، حيث يثير تكرار الحرائق، والحوادث المرورية، والوفيات المفاجئة شعورًا عميقًا بالخطر على الحياة والكرامة، ويتعامل الجمهور مع هذه القضايا بعاطفة، لا سيما حين تكون الضحية طفلًا أو شابًا، ما يدل على انعدام الإحساس بالأمان في المجالين العام والخاص. وهذه الحوادث تكشف أيضًا عن القصور في البنية التحتية والخدمات، وتدفع الناس للتعبير عن الغضب من إهمال الحكومة، ولكن عبر الفضاء الرقمي وليس الواقعي.

كما تبرز القضايا الأمنية والصحية كمجالات يشعر فيها الناس بالخذلان من مؤسساتهم، ويبحثون فيها عن رموز فردية بديلة للثقة، كما أن التقدير العالي لمبادرات الأطباء أو إنقاذ الأرواح، يقابله شعور بانعدام الحماية من الجرائم أو الفوضى، ما يفضح أزمة في العلاقة بين المواطن والمؤسسة الرسمية. فضلا عن أن التفاعل الإيجابي مع قصص التضحية والعطاء ينبع من حاجة رمزية لشخصيات يمكن الاتكاء عليها نفسيًا في واقع هشّ وغير عادل.

وأخيرا، تعكس اهتمامات الجمهور في هذه القضايا نمطًا وجدانيًا وإنسانيًا يُقدّم القيم والتجارب القريبة والملموسة على القضايا الكبرى البعيدة والمكررة؛ فالدين، والعائلة، والمحنة الفردية تشكّل مساحات للتماسك، في وقت تتراجع فيه ثقة الجمهور بالحلول السياسية أو المؤسساتية، ويصبح التعبير العاطفي وسيلة للبقاء النفسي أمام واقع لا يتغير.

اهتمامات الجمهور السياسية

تُظهر اهتمامات الجمهور الفلسطيني السياسية خلال الأسبوع محل الرصد ملامح مزاج سياسي مشحون بالغضب والخذلان، ومشحون أيضًا بالتوتر، فقد تركزت التفاعلات السياسية في ثلاثة مسارات رئيسية: العدوان على غزة، واعتداءات الاحتلال والمستوطنين في الضفة، والمواقف الدولية. إلا أن حجم التفاعل، وتوزعه، ونوعيته تكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بواقع الثقة السياسية، وآليات التعبير الشعبي، وحدود الاستجابة الجمعية

أولاً، لا يزال العدوان والحرب على قطاع غزة، بما فيه من مجازر جماعية واستهداف للأطفال والطواقم الطبية، يحظى بتفاعل شعبي، خصوصًا حين تُرفق المجازر بمقاطع مؤثرة وصور صادمة. ورغم ذلك، يُلاحظ تراجعًا تدريجيًا في التفاعل مقارنة بموجات سابقة، ما يعكس إرهاقًا وجدانيًا وتبلدًا عاطفيًا ناتجًا عن التكرار اليومي للكارثة دون أفق سياسي أو تحرك دولي يبدد شعور العجز، والتفاعل في هذه الحالات يتحول غالبًا إلى صرخة عاطفية، أو دعاء، أو غضب يتكرر دون تصعيد منظم أو تعبوي.

ثانيًا، يتّضح من التفاعل مع اعتداءات المستوطنين والاقتحامات في الضفة الغربية أن هناك إحساسًا شعبيًا متزايدًا بالخطر الوجودي على الأرض والهوية، لا سيما حين يقترن العدوان بحرق المنازل، أو اقتحام الأقصى، أو التنكيل بالأهالي. لكن في الوقت نفسه، يُسجَّل تراجعا في زخم التفاعل مع كثير من هذه الانتهاكات، خاصة إذا لم تُرافقها مشاهد مصوّرة أو نتائج فورية صادمة، أو كانت بعيدة جغرافيا، أي أن التفاعل يتركز على الأحداث القريبة وفي ذات المحافظة وليس خارجها، وهذا التراجع يدل على تطبيع مؤلم مع العنف الاستيطاني المتكرر، وشعور جمعي بعدم جدوى التفاعل في ظل غياب ردود رسمية أو مقاومة فعالة.

ثالثًا، كشفت التفاعلات مع المواقف الدولية (مثل مظاهرة باريس، أو دعم فرقة “نيكاب” الأيرلندية الموسيقية، أو تصريحات الرئيس الكوبي المتضامنة مع الطبيبة آلاء النجار، ورئيس وزراء مالطا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية) عن نزعة رمزية لدى الجمهور للاعتراف العالمي كتعويض عن غياب الدعم العربي الرسمي، فالتفاعل مع هذه المواقف جاء مشحونًا بالفخر عموما، لكنه أيضًا حمل بين طياته مرارة سياسية وشعورًا بالعزلة الإقليمية. كما أن التفاعل مع عمل فردي لشاب قتل موظفي سفارة إسرائيلية وهو يهتف لفلسطين، أبرز حاجة الجمهور إلى رموز “بطولية” منفردة، بعد انكسار الثقة بالفاعلين السياسيين التقليديين.

رابعًا، في حالات مثل اقتحام الأقصى أو تهجير السكان، يظهر الغضب الشعبي على شكل موجات قصيرة وحادة، لكنه لا يتحول إلى تعبئة مستمرة، ما يدل على انفصال وجداني بين الناس والسلطة والفصائل الفلسطينية المنظمة، وحالة فراغ سياسي تمتلئ أحيانًا بالتفاعل العاطفي والسخرية والغضب، دون أن تقود إلى فعل جماعي.

وأخيرًا، فإن المزاج السياسي العام يعكس مزيجًا معقدًا من الوعي العميق، والحزن، والغضب، والإحباط، والانفصال عن القيادة، فيما تتابع الجماهير، وتغضب، وتتألم، لكنّها لا تتفاعل دائمًا بزخم؛ لأنها تدرك حدود تأثيرها، وتفتقد الثقة بالتحول السياسي، وتحمّل السلطة الرسمية جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الشعور بالخذلان الوطني، حيث تم رصد اتهامات لها بالتقاعس أو التواطؤ، خصوصًا في حالات اعتداءات المستوطنين، أو غياب الرد الرسمي على مجازر غزة، ما يكشف عن فجوة ثقة حادة بين الجمهور ومؤسسات الحكم.

ضعف الاهتمامات والتفاعل

موضوعات ضعف التفاعل

لوحظ ضعف التفاعل مع قضايا جوهرية مثل المجازر المستمرة في غزة، واقتحامات الأقصى، والتوسع الاستيطاني، وأوضاع الأسرى، والاعتداءات المتكررة على القرى الفلسطينية من قبل المستوطنين. ورغم خطورة هذه القضايا، إلا أن التفاعل بقي ضعيفًا بسبب التكرار، وغياب التغطية الإعلامية المؤثرة، والإحساس بعدم جدوى التفاعل، وبعد بعض المواضيع جغرافيًا أو زمنيًا عن واقع الناس، ما أدى إلى فتور عام في التجاوب الشعبي حتى مع أخطر القضايا.

أسباب ضعف التفاعل

  • التكرار والإرهاق النفسي: فالأخبار الصادمة التي تتكرر يوميًا (مجازر، اعتداءات، اقتحامات) تخلق حالة من الإنهاك العاطفي والتبلد التدريجي.
  • غياب الأمل في التأثير: يشعر الجمهور أن التفاعل لا يغيّر الواقع، في ظل غياب فعل وأفق سياسي رسمي أو شعبي مؤثر.
  • ضعف التغطية الإعلامية وغياب التوثيق المصور، أو عدم رواية القصص بلغة إنسانية مشحونة، يقلل من تفاعل الجمهور مع الموضوعات حتى لو تعلق الأمر بموضوع مهم مثل المجازر أو أعمال المقاومة.
  • الاعتياد على الألم الجماعي،فالأخبار الكبرى فقدت صدمتها، وأصبح الجمهور معتادًا على مستوى معين من المعاناة اليومية.
  • بعد المواضيع جغرافيًا أو زمنيًا، فالتفاعل يضعف حين تكون القضية بعيدة عن حياة الناس المباشرة، أو تُقدَّم بصورة تقنية وغير مؤثرة عاطفيًا.
  • فقدان الثقة بالسلطة، حيث الشعور بأن الجهات الرسمية غير فاعلة، أو متواطئة، يجعل الجمهور أقل حماسًا للتفاعل مع قضايا مرتبطة بها.
  • انشغال الجمهور بالهموم المعيشية، فغلاء الأسعار، ومشكلات الكهرباء والماء، تفوق في كثير من الأحيان القضايا السياسية في تشكيل أولويات الجمهور اليومية.

يُظهر ضعف التفاعل مع قضايا مثل التوسع الاستيطاني أو المفاوضات أو الاعتقالات والاعتداءات أن هناك انسحابًا نفسيًا تدريجيًا من القضايا الكبرى التي لا تحمل نتائج مباشرة أو ملموسة،  وهذا الانسحاب لا يعني غياب الوعي، بل يعكس فقدان الثقة بالمسارات السياسية والفاعلين التقليديين، سواء السلطة الفلسطينية أو الفصائل أو المجتمع الدولي.

كما يتضح أن الجمهور يتفاعل بشكل أوسع مع القصص الفردية ذات الطابع الإنساني أكثر من القضايا الجماعية أو البنيوية، وهذا يدل على حاجة مجتمعية للتماهي مع حالات ملموسة وقصص تمثلهم عاطفيًا.

 

توصيات لوسائل الإعلام

في ضوء دراسة اهتمامات الجمهور وضعف اهتمامته تجاه مختلف الأحداث، نقدم في هذا التقرير توصيات لوسائل الإعلام لأخذها بعين الاعتبار:

  1. أنسنة التغطية الإعلامية

يُوصى بأن يعيد الإعلام الفلسطيني الاعتبار للبعد الإنساني في تناول القضايا السياسية والعسكرية، عبر تسليط الضوء على القصص الفردية المؤثرة التي تجسد المعاناة اليومية، فبدلاً من الاكتفاء بالأرقام أو التصريحات، يجب إبراز حكايات أشخاص حقيقيين: أسرى، وشهداء، وأطفال، وأمهات. فهذا النمط يُساعد الجمهور على الارتباط العاطفي العميق بالقضية ويُخرج التغطية من إطارها التقني البارد إلى فضاء وجداني يتفاعل معه الناس على مستوى شخصي.

  1. تحقيق التفاعل العاطفي والعقلي مع الجمهور

من الضروري أن تعتمد التغطية الإعلامية لغة تجمع بين العقل والعاطفة، بحيث تتجنب المبالغة في العناوين الصادمة التي تُنهك الجمهور دون فائدة، وبدلًا من ذلك تُقدِّم المادة الإعلامية بشكل متوازن يُشرك المشاهد في فهم ما يجري عبر التحليل والتفسير، وهذا التوازن لا يُخفف من قوة التغطية، بل يعززها، إذ يمنح الجمهور قدرة على التفاعل الواعي لا الاستهلاك المنفعل.

  1. ربط القضايا الكبرى بالحياة اليومية

لكي تشكل القضايا السياسية والوطنية أولوية حقيقية لدى الجمهور، من المهم أن يُبرز الإعلام أثرها المباشر على حياته اليومية، فالحرب والاستيطان والاعتقالات لا يجب أن تُعرض كملفات منفصلة عن واقع الناس، بل يجب إظهار كيف تؤثر على التعليم والعمل والتنقل والعيش الكريم، وعندما يدرك المواطن أن ما يحدث في السياسة ينعكس على قوت يومه وأمنه ومستقبل أبنائه، يصبح أكثر ارتباطًا بالقضية وأشد استعدادًا للتفاعل.

  1. إحياء القضايا المغيبة وتحفيز الذاكرة الجمعية

ثمة قضايا جوهرية تعاني من تراجع التفاعل بسبب ضعف التغطية الإعلامية في ظل تزاحم الأخبار والأحداث، مثل ملف الأسرى أو الاستيطان، والإعلام مدعو إلى إطلاق حملات خاصة تُعيد إحياء هذه الملفات، مستفيدًا من أدوات تحفيز الذاكرة الجمعية كالصور القديمة، والأغاني الوطنية، أو المقاطع التاريخية، أو الأعمال الدرامية، بما يعزز الإحساس بالاستمرارية التاريخية للقضية الفلسطينية ويُقوّي الشعور الجمعي بالهوية.

  1. تنويع المحتوى وكسر رتابة التغطية

تحتاج التغطية الإعلامية للقضايا المستمرة إلى تجديد في الشكل والمضمون؛ فالتكرار الجاف يُنتج مللًا واعتيادًا، لذا من المهم كسر الرتابة عبر استخدام وسائط متعددة: فيديوهات قصيرة، شهادات حية، وثائقيات يومية، وتحليلات بصرية. كما يُنصح بتناول الأخبار من زوايا جديدة وغير تقليدية، مثل عرض قصة اعتقال من وجهة نظر طفل، أو تقديم يوميات لأسير محرر، الأمر الذي يُعيد التفاعل النشط مع القضايا القديمة.

  1. التفاعل المحلي والخصوصية المناطقية

ينبغي أن يُراعي الإعلام الخصوصيات المحلية لكل محافظة فلسطينية، فيبني محتواه بما يعكس أولويات الجمهور المحلي، فالقضايا الاجتماعية قد تكون أولوية في بيت لحم، بينما تحتل القضايا التعليمية والاقتصادية الصدارة في طولكرم، لذا فإن تخصيص المحتوى وتوجيهه وفق هذه الحساسيات يزيد من فاعليته، ويُشعر الناس بأن الإعلام يُخاطبهم هم لا جمهورًا عامًا مجردًا.

  1. التغطية الميدانية المستمرة

غالبًا ما يغيب التفاعل الجماهيري مع بعض القضايا لأن التغطية تقتصر على لحظات الذروة أو الأزمات، ثم تنقطع، والمطلوب هو إعلام ميداني نشط، ينقل تفاصيل الحدث لحظة بلحظة، ويظل ملازمًا للميدان حتى بعد تراجع الاهتمام العام. هذا النوع من التغطية يُرسّخ حضور القضايا ويمنحها استمرارية مطلوبة في الوعي الجماعي.

  1. تعزيز الأمل والانتماء

رغم قسوة الواقع، يحتاج الإعلام الفلسطيني إلى الحفاظ على شعلة الأمل عبر تسليط الضوء على مبادرات مجتمعية إيجابية، أو قصص إنقاذ وشجاعة فردية، أو نجاحات طلابية وشعبية، أو ابداعات في مقاومة الاحتلال وغيرها. هذا النوع من التغطية لا يُنافي الجدية، بل يُمثل ضرورة نفسية ومجتمعية في سياق مثقل بالأزمات. كما أنه يُعزز الشعور بالانتماء والقدرة على الصمود، ويُخفف من الإحساس المزمن بالعجز.

 

  1. تفعيل الإعلام التفاعلي

لتحقيق إعلام حي ومجتمعي، ينبغي تمكين الجمهور من التفاعل المباشر مع المحتوى، سواء عبر التعليقات، أو الرسائل، أو الفيديوهات المرسلة من المواطنين. التفاعل لا يعني فقط الإعجاب أو النشر، بل المشاركة في النقاش، وإبداء الرأي، والمساهمة في صياغة السردية. كما أن تقديم القصص الفردية ضمن سياق مؤسسي (كربط معاناة فرد بإهمال مؤسسة) يحوّل التفاعل من تعاطف عابر إلى مطلب جماعي بالتغيير والمحاسبة.

الخاتمة

أظهرت الدراسة أن اهتمامات الجمهور الفلسطيني تتوزع بين ما هو وجداني وإنساني من جهة، وما هو سياسي وأمني من جهة أخرى، مع ميل واضح نحو التفاعل الأكبر مع القضايا الدينية، والقصص الفردية المؤثرة، والهموم المعيشية اليومية، في حين لوحظ تراجع التفاعل مع القضايا الوطنية الكبرى رغم خطورتها، مثل الحرب على غزة أو التوسع الاستيطاني.

كما بيّنت النتائج أن التكرار، وضعف الثقة بالمؤسسات الرسمية، وغياب الأثر المباشر، كلها عوامل تُسهم في فتور التفاعل الشعبي. بالمقابل، فإن القصص القريبة، والمرتبطة بمشاعر إنسانية عميقة، تحظى بزخم عاطفي واسع.

كشفت الدراسة أيضًا عن فجوة في العلاقة بين المواطن الفلسطيني والفاعلين السياسيين، مقابل بحث الناس عن رموز بديلة فردية (كطبيب، أو مُسعف، أو موقف دولي) تمنحهم شعورًا معنويًا بالانتماء والأمل.

بناء على ذلك، توصي الدراسة وسائل الإعلام بإعادة صياغة تغطياتها عبر أنسنة الأخبار، وربط القضايا الكبرى بحياة الناس اليومية، وتنويع أساليب السرد والوسائط، واحترام التفاوت الجغرافي في الاهتمامات، بما يُسهم في تجديد العلاقة بين الجمهور والقضايا المركزية، ويُعيد التفاعل الشعبي إلى موقعه كأداة للوعي والدعم وليس مجرد تنفيس عاطفي.

 

* اعتمدت هذه الدراسة الوصفية على منهجية الرصد والتحليل لاهتمامات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية، وذلك خلال فترة زمنية امتدت لأسبوع كامل. تم اختيار عينة مكوّنة من ست محافظات فلسطينية تمثل التوزيع الجغرافي للمجتمع الفلسطيني (الوسط، والشمال، والجنوب)، وهي: رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل،وطولكرم، وبيت لحم. كما تم اعتماد الرصد اليومي المنتظم لتفاعلات المستخدمين مع الموضوعات والقضايا المتداولة على المنصات الرقمية، من خلال متابعة عدد من الصفحات والمنصات الأكثر تأثيرًا ونشاطًا في كل محافظة، والتي تم اختيارها بناءً على حضورها المجتمعي وتفاعل الجمهور معها، ورصد القضايا والموضوعات الأكثر تفاعلا من قبل الجمهور.