تفاعلات الجمهور الرقمية حول سياسة التجويع في قطاع غزة “2”

إعداد مركز مقاربة للدراسات الإعلامية

النص بصيفة pdf هنا

تمهيد

في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي بعدم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، يعيش القطاع كارثة إنسانية تتسارع فصولها مع تفاقم أزمة الجوع.  وقد تم تسليط الضوء على تفاعلات الجمهور عبر المنصات الرقمية حول سياسية التجويع في القطاع في تقرير أصدره مركز “مقاربة” بتاريخ 22 تموز/يوليو 2025مرتكزا على تحليل عينة من التعليقات والمنشورات التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية آنذاك، ومع استمرار المجاعة واستمرار تصدر القضية اهتمامات الناس في منصات التواصل الاجتماعي.Picture1-300x211 تفاعلات الجمهور الرقمية حول سياسة التجويع في قطاع غزة "2"

يوضح الرسم البياني التالي تصدر موضوع المجاعة في قطاع غزة التفاعل عبر المنصات الرقمية وبفارق كبير عن الموضوعات الأخرى، وفق بيانات خاصة جمعها مركز مقاربة خلال الأسبوع الأخير من شهر تمور الماضي.

يسعى هذا التقرير لإعادة التحليل لتعليقات جديدة في ظل ظروف مختلفة نوعا ما، لا سيما مع تصاعد الحملات ضد المجاعة دوليا وفلسطينيا.

 

توجهات الجمهو ر في التعليقات

تعكس تعليقات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات الجمهور الفلسطيني حول القضية، وتتضمن هذه التعليقات التوجهات الآتية:

  1. الحزن الشديد والعجز

تعكس الكثير من تعليقات الجمهور شعورًا عميقًا بالحزن والعجز بسبب الأزمة الإنسانية في غزة، حيث عبر المعلقون عن ألمهم جراء صعوبة الموقف، إذ يشعرون بأنهم عاجزون عن تقديم المساعدة الفعلية، نظرًا لتقاعس الحكومات والمنظمات الدولية، ويجد البعض أن الوسيلة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها مساعدة أهل غزة هي الدعاء، وهذه التعليقات تمتلئ بالرجاء في الله للحصول على الفرج، مع التعبير عن أسفهم بسبب ما يواجهه الفلسطينيون من معاناة. مثال: “اللهم أطعِم الجائعين، وآمِن الخائفين، وارحم الأطفال الرُضّع، والنساء الثكالى والشيوخ الركّع.””حسبنا الله ونعم الوكيل، نحن معكم في الدعاء فقط.”

  1. الغضب من الصمت العربي والتقصير الدولي

عكست التعليقات حالة الغضب المستمرة  بسبب المواقف الصامتة أو حالة التخاذل من الحكومات العربية والدول الغربية تجاه معاناة أهل غزة، ويتهم البعض هذه الدول بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي أو بتقاعسهم عن التحرك الفعلي لإنهاء المجاعة وإنقاذ الناس في القطاع، وهذا الغضب يتجلى في العديد من التعليقات التي تهاجم هذا التقاعس، ويشعر البعض بأن العالم بأسره قد تخلى عن غزة. مثال: “حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالم ساهم في خراب غزة.””الله يلعن كل من خذل أهل غزة أو تواطأ مع الاحتلال.””هذه إبادة جماعية للفلسطينيين المضطهدين.”  “جبناء يتربعون على العروش”. “لن تُغفر أبدًا للدول الغربية… ولا لمنظمة التعاون الإسلامي”.

  1.  خطاب التقدير للمقاومة والعزة

تظهر التعليقات تقديرًا كبيرًا لمقاومة أهل غزة وصمودهم أمام العدوان الإسرائيلي، وهذه الفئة تؤمن أن المقاومة هي الخيار الوحيد المتاح لمواجهة الاحتلال، وقد برزت في التعليقات نبرة الإشادة بالصمود والعنفوان، حيث عبّر البعض عن فخرهم بأهالي غزة وقوتهم، وبالرغم من الألم والمعاناة، إلا أن أهل غزة يحملون روح التفاؤل بأن النصر قادم لا محالة. مثال: “أنتم شرف الأمة وعزها، نصركم الله.””حسبي الله ونعم الوكيل، فيهم الخونة والظالمين.” “ستبقى غزة صامدة مهما كان.”  “أنتم أهل العزة”. “لن تركع أمة فيها أمثالكم”. “أنتم أعزّة وفوق رؤوس الجميع”.

  1. انتقاد الدور الغربي والأمريكي

يظهر في التعليقات غضب من الدور الغربي في دعم إسرائيل، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، حيث إن هذه الدول شريكة في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، ويطالبون بالعدالة ووقف هذا الدعم. ويتم التركيز على دورها في تسليح إسرائيل وإعطائها الضوء الأخضر للاستمرار في محاربة الفلسطينيين.مثال: “نعم المولى ونعم النصير على كل طاغ وباغ وعلى اليهود والأمريكان”،”أوروبا وأمريكا وجهان لعملة واحدة”،”اللهم انتقم منهم يا جبار.”

  1. اتهامات لجهات داخلية

برزت نبرة هجومية على جهات عدة داخل قطاع غزة فيما يتعلق بإدارة المساعدات واحتكارها، لا سيما وأن القليل مما يدخل قطاع غزة بات يسرق ولا يصل إلى مستحقيه في ظل انتشار عصابات وجماعات مرتبطة بالاحتلال تقوم بسرقة المساعدات وإعادة بيعها في السوق بأسعار مرتفعة، وقد طالت التعليقات واللوم جهات مختلفة كالتجار وألقى البعض باللوم على حركة حماس وتحمّلها جزءاً من المسؤولية عن الأوضاع الحالية بالقطاع بدعوى أن التصعيد العسكري في السابع من أكتوبر كان له دور في تفاقم الأزمة الإنسانية، فيما يبرر آخرون هجوم حماس كونه خطوة ضرورية لردع الهجمات الإسرائيلية.  ومن التعليقات المتهمة لجهات داخل غزة: “90% منهم حرامية”. “”عصابات طعنوا شاب على علبة صلصة”. حماس نازلة تطلب وتنهب مساعدات”.

  1. الدعاء والمناجاة بالله

الدعاء هو السمة المشتركة في معظم التعليقات، حيث يعبر الناس عن أملهم في الله بأن يفرج كرب أهل غزة. ودعواتهم تشمل طلب النصر، وتوفير الأمن والطعام، وإزالة البلاء الذي يعانيه الفلسطينيون. حيث إن الدعاء هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لهم لمساندة أهل غزة في هذه المحنة وفق الكثيرين .مثال: “اللهم أطعمهم من ثمار الجنة، واسقهم من حوض النبي ﷺ.” “اللهم انصر إخواننا في غزة ورفع عنهم البلاء.” “اللهم سخر لأهل غزة ملائكة السماء وجنود الأرض.”  “اللهم أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.  “لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل”.  “We could do nothing for you… Please forgive us”.   “اللهم اجبر كسر قلوبهم… وامنحهم صبرًا وأجرًا”.  “الرسول حوصر ثلاث سنوات”.

دلالات التوجهات

تتضمن توجهات الجمهور وتفاعلاته مع عدد من الموضوعات السياسية دلالات وتوجهات عدة، أبرزها:

أولا: تعكس كثرة استخدام الدعاء والصبر في تفاعلات الجمهور شعورًا عامًا بالعجز وانسداد الأفق، إذ يجد الناس أنفسهم أمام مشهد دموي متكرر بلا أفق سياسي، فيتحول التفاعل إلى ملاذ روحاني بعد أن سقطت أدوات الفعل الواقعي، وهذا الميل إلى الدعاء لا ينبع فقط من الإيمان، بل يكشف عن قناعة داخلية أن كل الخيارات الأرضية فشلت، وأن النصر لم يعد يُرتجى من أنظمة أو من العالم، بل من الله وحده.

ثانياً: تبرز نبرة الغضب العميق من الأنظمة العربية والمجتمع الدولي كمؤشر صارخ على انعدام الثقة الشعبية بالمنظومة السياسية بأكملها، حيث لا يرى الجمهور في هذه الأنظمة سوى التخاذل أو التواطؤ أو التجميل لمآسي تتكرر منذ سنوات، وامتدت الاتهامات لتشمل الصامتين والمبرّرين، في دلالة على تحول الجمهور من انتظار الموقف إلى فضح الخذلان. كذلك، باتت المنظومة الدولية، خاصة الغربية، في نظر قطاع واسع من الجمهور شريكًا في الجرائم، والمجاعة من خلال الدعم السياسي والعسكري للاحتلال، ما عمّق مشاعر العداء تجاه النظام العالمي الذي يتغنّى بالقيم ثم يقتلها في فلسطين، وهذا الإدراك الشعبي لا يعكس فقط غضبًا طارئًا، بل أزمة أخلاقية ممتدة مع العالم.

ثالثاً: رغم المآسي، يبرز تمجيد صمود غزة، إذ لم يعد الجمهور يتعاطف معها فقط، بل يراها نموذجًا للبطولة والكرامة في زمن الانكسار، وكان ذلك واضحاً خاصة في قصة المستشار القانوني الدكتور غانم العطار الذي حظيت مشاهد بحثه عن الماء على انتشار واسع، و تحوّلت غزة من ضحية إلى مرآة للشرف الإنساني، ومن ساحة حرب إلى منبر أخلاقي تفضح فيه جبن المتخاذلين وتكسر رواية المحتل. وهذا التفاعل لا يتوقف عند الإعجاب، بات يمثل غزة في كونها المعنى المتبقي للكرامة في وعي عربي منهك، يرى في صمود المحاصرين معجزة تُخرس الخوف والخذلان، وترسّخ معنى أن الإنسان قادر على البقاء واقفًا ولو بلا ماء ولا دواء ولا كهرباء.

الخاتمة

يعكس المزاج الشعبي في التعليقات الرقمية حالةً متباينةً ومستمرة من الغضب والحزن والعجز تجاه الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مما يعكس عمق الألم الذي يعيشه الجمهور الفلسطيني وفقدان الثقة في المؤسسات السياسية والدولية، وهذا المزاج يؤكد استمرار التهميش والمعاناة، ويبرز الفجوة الكبيرة بين حجم الكارثة على الأرض ومستوى التفاعل المجتمعي معها.

* اعتمدت هذه القراءة الوصفية على منهجية الرصد والتحليل لتعليقات الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية حول القضية، معتمدة على تعليقاتهم على المنشورات الخاصة بالقضية، حيث شملت العينة عددا من الصفحات على فيس بوك، فضلا عن تنوع الصفحات بين المحلية على مستوى المحافظات وعلى مستوى الوطن. تم اختيار عينة مكوّنة من ست محافظات فلسطينية تمثل التوزيع الجغرافي للمجتمع الفلسطيني (الوسط، والشمال، والجنوب)، وهي: رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل،وجنين وطولكرم، وبيت لحم، إضافة لمجموعة من المنصات على مستوى الوطن وهي الأكثر تأثيرًا ونشاطًا.